إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وبعد:
تتعالى أصوات المدرسة الحداثية المعاصرة لإعادة قراءة التراث ونقده، مدّعين أنهم يقفون موقف المدافع عن الإسلام وإخراجه من الزاوية الضيقة التي وضع نفسه فيها.
المطلب الأول: الرد على شبهة "تأخر تدوين السنة النبوية وعدم كتابتها في عهد النبي والصحابة".
إن من أبرز الشبهات المثارة حول السنة النبوية هي شبهة تأخر تدوينها وعدم كتابتها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا في عهد الصحابة ولا في عهد التابعين، حيث أن أول من أثار هذه الشبهة هم المستشرقون ومنهم " جولد تسيهر "، لتُعاد إثارة هذه الشبهة من طرف بعض الكتاب العرب المتأثرين بالفكر الحداثي والمنبهرين بكتابات المستشرقين.
ومن الحداثيين العرب الذين أثاروا هذه الشبهة نجد محمود أبو رية، والذي كان من أشد المتأثرين بأفكار المستشرقين فيما كتبوه بشأن السنة النبوية، وكان أسلوبه صادما لمشاعر المسلمين، وهذا لأن كتاباته تحاملت كثيرا وتجرأ فيها على السنة النبوية المطهرة، فأنقص من قيمتها وقلل من حجيتها وكذّب تاريخها ونقد رجالها
ولقد ردّ كثير من أهل العلم على هذه الشبهة وهذا التساؤل الذي طرحه الأستاذ أبورية، منهم محمد أبو شهبة في كتابه: " دفاع عن السنة ورد شبه المستشرقين والكتاب المعاصرين " والعلامة عبد الرحمان بن يحي المعلمي في كتابه: " الأنوار الكاشفة لما في كتاب أضواء عن السنة من الزلل والتضليل والمجازفة" وغيرهم كثير من أهل العلم. ونلخص ردهم في النقاط التالية:
الرد
•إن الحكمة كانت تقتضي في ذلك الوقت المسارعة إلى جمع القرآن في مصحف واحد، خشية أن يضيع منه شيء بموت جمهور القراء، أما الأحاديث فلم تكن الحاجة ماسة إلى جمعها لأن المعول فيها المعنى لا اللفظ، وأنهم نهوا عن كتابتها حتى لا تختلط بالقرآن.
• لم يدون الصحابة السنة النبوية تدوينا رسميا كتدوينهم للقرآن، ولكن دونها تدوينا شخصيا، فقد كان بعض الصحابة يكتبون بعض الأحاديث في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته، مثل الصحيفة الصادقة لعبد الله بن عمرو بن العاص، والصحيفة الصحيحة برواية همام بن منبه عن أبي هريرة، وصحيفة سمرة بن جندب وغيرها.
وجود الكتابة زمن النبي صلى الله عليه وسلم بدليل الرسائل التي بعثها صلى الله عليه وسلم إلى الملوك والسلاطين.
•الروايات التي تدل على الكتابة وتحث عليها، منها حديث: (أكتبوا لأبي شاه) وحديث عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (اكتبوا فوالذي نفسي بيده ما يخرج منه إلا الحق)
لكن هذه الحجج والأدلة لم يقتنع بها الحداثيون، لأن علماؤنا استدلوا إلى الروايات ومنهج النقل، وهذا المنهج لا يعد مقبولا عندهم، وإن كانوا اعتمدوا قد عليه في نقل بعض الروايات التي تخدم أفكارهم.
والحمد لله رب العالمين ولا عدوان الا على الظالمين.