قال أحمد بن محمد بن صدقة وأبوشيخ، عن زياد بن أيوب دلويه، سمعت يحيى بن عبد الحميد يقول: مات معاوية على غير ملة الإسلام. قال أبوشيخ: قال دلويه: كذب عدوالله. قلت: فليس من قال أن معاوية بن أبي سفيان مات على غير ملت الإسلام , علي بن الجعد وكما نرى فقد قال ذلك عبد الحميد الحماني , وقال كذب أبوالشيخ الأصفهاني والله تعالى أعلم.

وفي «السنة» للخلال (2/ 448) ورقم (693) أخبرني محمد بن موسى قال سمعت أبا بكر بن سندي قال: كنت أوحضرت أوسمعت أبا عبدالله وسأله رجل: يا أبا عبدالله لي خال ذكر أنه ينتقص معاوية وربما أكلت معه فقال أبوعبدالله مبادراً: لا تأكل معه. وسنده صحيح.

أما علي بن الجعد فقد تكلم في روايتهِ بعد الأئمة الأعلام كونهُ تناول الصحابة رضي الله عنهم , ولم يكن علي بن الجعد ممن يؤخذ قوله في مثل هذه المسائل العظيمة , ولهذا قد ضعف أمرهُ بعض الأئمة ولم يقبل روايتهُ في الحديث , ولم يقبل منه قولهُ في حق الصحابي معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنهُ , وقد روي عن الحماني أنه قال أن معاوية مات على غير ملة الإسلام فيختلف من قائل هذا الكلام أهوالحماني أم الجعد.

وفي السنة لأبي بكر الخلال: أخبرني أبوبكر المروذي، قال: كتب إلينا علي بن خشرم قال: سمعت بشر بن الحارث، يقول: سئل المعافى وأنا أسمع، أوسألته: معاوية أفضل أوعمر بن عبد العزيز؟، فقال: «كان معاوية أفضل من ستمائة مثل عمر بن عبد العزيز». والخلاصة أن هذا لا يصح في حق معاوية رضي الله عنهُ , ولا يقبل من ابن الجعد. والله أعلم.

ثم 

هذة حكاية مكذوبة على علي بن الجعد، والإمام يحي بن معين دافع عنه وقال بعد ماسأله صديقة وتلميذة ابن محرز البغدادي: إن الناس يغمزون بعلي بن الجعد فقال يحي: يكذبون عليه فقد كان ثقة صدوقآ

مسائل ابن محرز البغدادي برقم 515

أحسن الله تعالى إليك أخي الحبيب , وإن لم تكن القصة ثابتة فالقصة أصلاً لا تقبل من علي بن الجعد كما أن الأصل أنهُ قد تكلم في حقه بسبب مثل هذه الامور كما أن عبد الحميد الحماني ضعف لأجل هذا كذلك , والقصة وإن كانت كذب كما كذبها إبن معين وفقك الله تعالى للخير , فالخبر لا يقبلُ إلي علي بن الجعد بل لا يصلُ إليه.

الرد بطريقة اخرى مفصلة 

 

 مصدر هذه المقولة؟!

 

ذكر هذه المقولة مسندةً الخطيب البغدادي والحافظ المزي وأيضا رواها ابن هانئ في مسائله عن الإمام أحمد.

 

ولكن الخطيب أسندها بطريقين عن أحمد بن محمد بن صدقة البغدادي وأبي شيخ الأصبهاني عن زياد بن أيوب الطوسي دلويه عن يحيى بن عبد الحميد الحماني لا عن علي بن الجعد.

 

وأما ابن هانئ فقد نقلها عن علي بن الجعد!

 

1- ذكر ابن هانئ في مسائله عن الإمام الأحمد فقال: سمعت أبا عبد الله، وقال له دلويه: سمعت علي بن الجعد يقول: ‌مات ‌والله ‌معاوية على غير الإسلام! (1866).

 

وقال المحقق: وسقط جواب الإمام أحمد من الأصل.

 

فكل مسائل الإمام أحمد التي رواها عنه تلاميذه يكون المقصد منها بيان رأي الإمام أحمد فيها، وهنا لم يذكر رأي الإمام على غير العادة!

 

2- رجح المحققون أن تكون هذه الرواية قد وقع فيها خطأ في مسائل ابن هانئ، وبيان ذلك أن هذه المقولة إنما أسندت بطريقين صريحين عن يحيى الحماني وليس عن علي بن الجعد!

 

فبالإضافة إلى وقوع السقط من الأصل فقد طالها السهو أيضا من النسّاخ بدليل:

 

أن الخطيب البغدادي والحافظ المزي قد أخرجاها عن الحماني:

 

- قال الخطيب البغدادي: أَخْبَرَنَا العتيقي، قَالَ: أَخْبَرَنَا يوسف بْن أَحْمَد الصيدلاني، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عمرو العقيلي، قَالَ: حدَّثَنِي أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن صدقة، قَالَ: سمعتُ زياد بْن أيوب دلويه، وَأَخْبَرَنَا القاضي أَبُو بَكْر مُحَمَّد بْن عُمَر الداوديّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن الْعَبَّاس بْن الفرات، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الله الشافعي، قَالَ: سمعتُ أَبَا شيخ الأصبهاني، يَقُولُ: سمعتُ دلويه، يَقُولُ: سمعتُ يَحْيَى بْن عَبْد الحميد، يَقُولُ كَانَ مُعَاويَة، وفي حديث العتيقي: ‌مات ‌مُعَاويَة، عَلَى غير ملة الْإسْلَام، وزاد الداودي: قَالَ دلويه: كذب عدو الله.

تاريخ بغداد، 16/252 طبعة الدكتور بشار معروف.

 

وكذلك نقلها الحافظ المزي عن الحماني من نفس الطريقين فقال:

 

(وَقَال أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن صدقة البغدادي، وأَبُو شيخ الأصبهاني عَنْ زياد بْن أيوب الطوسي دلويه: سمعت يحيى بن عبد الحميد الحماني يَقُول: ‌مات ‌معاوية - وفي حديث أَبِي شيخ: كَانَ معاوية - على غير ملة الإسلام. قال أَبُو شيخ: قال دلويه: كذب عدو الله)

تهذيب الكمال في أسماء الرجال، 31/429.

 

وأيضا ذكرها الذهبي في السير عن الحماني.

 

قال الشيخ الفاضل عبد الله الحمراني:

 

(وأما ما جاء في المطبوع من مسائل ابن هانئ، فينبغي النظر فيها من جهتين:

 

- جهة النص الوارد في الكتاب ، حيث المعروف في كتاب المسائل إيراد المسألة ثم التعقيب من الإمام أحمد على المسألة ، ولعل هذا يتضح بالنظر إلى الحاشية بعد نهاية الكلام ، والسياق فيه خلل أو بتر كما ترى.

 

- والجهة الثانية ، ثبوت ذلك النص - خصوصا - عنه ، فبتخريج النص المذكور تجده مرويا عن دلويه عن الحماني ؛ قال أحمد بن محمد بن صدقة البغدادي وأبو شيخ الأصبهاني عن زياد بن أيوب الطوسي دلويه سمعت يحيى بن عبد الحميد الحماني يقول مات معاوية وفي حديث أبي شيخ كان معاوية على غير ملة الإسلام قال أبو شيخ قال دلويه كذب عدو الله. نقله المزي في تهذيب الكمال [31 /429] ، وهو في غيره من المصادر عن دلويه عن الحماني، به.

 

ولم أقف على تخريج -فيما بين أيدينا من المصادر- لرواية دلويه عن ابن الجعد.

 

وعليه فمن المرجح كون النص المذكور في المسائل مركّبا من نصين ؛ انتقل نظر الناسخ فيه إلى النص الآخر المنقول آنفا من بداية قوله (يقول) فنقل رواية دلويه عن ابن الجعد ، ثم انتقل إلى رواية دلويه أيضا عن الحماني فنقل نصها، (وقدرا وافق ذلك أن ابن الجعد له كلام في معاوية رضي الله عنه، وهو قوله: ما أكره أن يعذبه الله) ، فلا نستطيع الجزم بنسبة هكذا قول إلى ابن الجعد، فالإشكال في نسخة المسائل واضح، استشكله المحقق ، واستشكلته هنا، وبتخريج القول ظهر أن هذا القول منسوب ليحيى بن عبد الحميد الحماني لا لابن الجعد ، ويحتاج من يريد أن ينسبه لابن الجعد أن يخرّج هذا القول من مصادر أخرى غير المسائل منسوبا له؛ ولا أراه فاعلا.)

وخلاصة القول أن هذه المقولة إنما تثبت عن الحماني لا عن علي بن الجعد.

3- قلنا إن تعليق الإمام أحمد قد سقط في رواية ابن هانئ، ولكنّ للإمام أحمد كلاما صحيحا صريحا في نفس القضية.

 

فقد نقل الإمام أبو بكر بن الخلال في كتابه السنة المقولتين التاليتين:

 

691 - أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَطَرٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو طَالِبٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ: يُكْتَبُ عَنِ الرَّجُلِ، إِذَا قَالَ: ‌مُعَاوِيَةُ ‌مَاتَ عَلَى غَيْرِ الْإِسْلَامِ أَوْ كَافِرٌ؟ قَالَ: " لَا، ثُمَّ قَالَ: لَا يُكَفَّرُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ".

693 - أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرِ بْنَ سِنْدِيٍّ قَرَابَةَ إِبْرَاهِيمَ الْحَرْبِيِّ قَالَ: كُنْتُ، أَوْ حَضَرْتُ، أَوْ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ وَسَأَلَهُ رَجُلٌ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، لِي خَالٌ ذَكَرَ أَنَّهُ يَنْتَقِصُ مُعَاوِيَةَ، وَرُبَّمَا أَكَلْتُ مَعَهُ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُبَادِرًا: «لَا تَأْكُلْ مَعَهُ»

السنة لأبي بكر بن الخلال، 2/447.

فهذا هو موقف الإمام أحمد في الطاعن في أحدمن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الثالث: من علي بن الجعد؟

وعلى فرض أن هذه المقولة إنما هي عن علي بن الجعد، فمن هو علي بن الجعد؟

لا شك أن علي بن الجعد ثقة ثبت غير أنه رمي بالتشيع.

وقد كان الإمام أحمد ينهى ابنه من الكتابة عنه.

وقد أخرج له أئمة الحديث روايته في كتبهم ولم يطعنوا في وثاقته ولم يجدوا له رواية توافق ما رمي به، بل وجدوا له رواية في فضائل الصحابة وفي المنع من التطاول عليهم.

وقد نقل عنه كلام في بعض الصحابة كابن عمر والحسن ومعاوية ولذلك رمي بالتشيع، وقد ضعف المحققون ما نقل عنه.

فالذهبي في السير بعد نقله لكلامه في بعض الصحابة عن أبي غسان الدوري قال: (أبو غسان لا أعرف حاله، فإن كان قد صدق، فلعل ابن الجعد قد تاب من هذه الورطة).

بل إن علي بن الجعد قد روى عن معاوية رضي الله عنه في مسنده!

فكيف يروي عمن يعتقد كفره وأنه مات على غير ملة الإسلام؟!

ففي مسند ابن الجعد:

3346 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، أَخْبَرَنِي حَمَّادٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ، عَنْ ‌مُعَاوِيَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «الْعُمْرَى جَائِزَةٌ لِأَهْلِهَا»

الرابع: ومن الحماني؟

قال البخاري: كان أحمد وعلي يتكلمان في يحيى الحماني.

ولخص الذهبي حاله فقال:

(قلت: وقد تواتر توثيقه عن يحيى بن معين، كما قد تواتر تجريحه عن الإمام أحمد، مع ما صح عنه من تكفير صاحب. ولا رواية له في الكتب الستة، تجنبوا حديثه عمدا). 10/537.

فهذا حال الحماني صاحب المقولة في معاوية رضي الله عنه.

الخامس: المعدل هو الله ورسوله والمؤمنون

إن الصحابة رضي الله عنهم قد زكاهم الله في قرآنه ورسوله صلى الله عليه وسلم في سنته الصحيحة وزكاهم المؤمنون وأجمعوا على تعديلهم رضي الله عنهم.

فمن زكاه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون فهو المعدل الذي لا يسأل عن حاله.

السادس: لا يضر معاوية طاعن

إن معاوية رضي الله عنه ، خال المؤمنين ، لا يضره تكفير من كفره كائنا من كان ، وهذا هو مذهب أهل السنة والجماعة قاطبة.

فمن أزرى به فإنما يزري بنفسه ومن يضره بحرف فإنما يضر نفسه وصحيفته وآخرته.