شبهة غدير خم

غَديرُ خُم هو : موضع بين مكة و المدينة ،

 و هو واد عند الجحفة به غدير ، يقع شرق رابغ بما يقرب من (26) كيلاً ، و يسمونه اليوم الغربة ، و خم اسم رجل صباغ نسب إليه الغدير ، والغدير هو : مستنقع من ماء المطر . انظر : معجم البلدان (2/389)

و على طريق الهجرة لعاتق البلادي ( ص 61

 .
والآن نأتي إلى الأحداث التي سبقت هذه الحادثة ،

 لنتعرف جذور القصة

 ..
أرسل النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب

 خلف خالد بن الوليد إلى اليمن ليخمّس الغنائم و يقبض الخُمس ،

 كما قال البخاري ، انظر : الفتح (8/65 )

، فلما خمّس علي الغنائم ، كانت في الغنائم وصيفة هي أفضل ما في السبي ، فصارت في الخُمس ، ثم إن علياً خرج و رأسه مغطى وقد اغتسل ، فسألوه عن ذلك ،

 فأخبرهم أن الوصيفة التي كانت في السبي صارت له فتسرى بها ،

 فكره البعض ذلك منه ، وقدم بريدة بن الحصيب بكتاب خالد إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، و كان ممن يبغض علياً فصدق على كتاب خالد الذي تضمن ما فعله علي ، فسأله النبي صلى الله عليه وسلم : يا بريدة أتبغض علياً ؟ فقال : نعم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا تبغضه فإنه له في الخُمس أكثر من ذلك .

 ذكره الإمام أحمد في المسند (5/350 ) قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح غير عبد الجليل بن عطية و هو ثقة وقد صرح بالسماع وفيه لين . مجمع الزوائد (9/127) ، وقال ابن حجر في تقريب التهذيب عنه : صدوق يهم . ترجمة رقم (3747) و قال ابن حبان في الثقات (8/421)

: يعتبر حديثه عند بيان السماع في خبره إذا رواه عن الثقات ، و كان دونه ثبت . قلت : وهذا منها ، وأخرجه البخاري في الصحيح مختصراً في كتاب المغازي . انظر الفتح (8/66


فلما كانت حجة الوداع ، رجع علي من اليمن ليدرك الحج مع النبي صلى الله عليه وسلم ، وساق معه الهدي ،

 ذكر مسلم في صحيحه برقم (1281) ،

وقد تعجل علي ليلقى الرسول صلى الله عليه وسلم بمكة ، واستخلف رجلاً من أصحابه على الجند ، فكسا ذلك الرجل الجند حللاً من البز الذي كان مع علي ،

 فلما دنا الجيش من مكة خرج علي ليلقاهم

، فإذا عليهم الحلل ، فقال لنائبه : ويلك ما هذا ؟!

 قال : كسوت القوم ليتجملوا به إذا قدموا في الناس ،

 قال : ويلك ، انزع قبل أن تنتهي بهم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، فنزع الحلل و ردها إلى البز ، فأظهر الجيش شكواه لما صنع بهم علي .

ذكره ابن هشام في السيرة (4/603) و قال ابن كثير : هذا السياق أقرب من سياق البيهقي الدلائل (5/398) - ،

رغم أنه قال عن رواية البيهقي :

 هذا إسناد جيد على شرط النسائي . انظر : البداية والنهاية (5/95 ) و إسناد ابن هشام هو :

 قال محمد بن إسحاق و حدثني يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي عمرة عن يزيد بن طلحة بن يزيد بن ركانة ، قال : .. ، و هكذا نقله ابن كثير أيضاً ، والصحيح هو :

 يزيد بن طلحة عن يزيد بن ركانة . انظر : الجرح و التعديل (9/273

 .
كما وأن أصحاب علي رضي الله عنه طلبوا منه أن يركبوا و يريحوا على إبل الصدقة بحجة أن بإبلهم خللاً و ضعفاً ، فأبى عليهم ذلك وقال : ( إنما لكم منها سهم كما للمسلمين ) ،

 فعندما ذهب إلى الحج سأل أصحابه خليفته ما كان علي منعهم إياه ، فوافق على ذلك ، فلما جاء عل عرف أن الإبل قد ركبت ن فذم خليفته ولامه ، و عد بعض أصحاب علي ذلك منه غلظة وتضييقاً ،

فشكاه أبو سعيد الخدري إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فوافق الرسول صلى الله عليه وسلم على هذا المسلك من علي ، فندم أبو سعيد على شكواه ، وقال : ( .. والله لا أذكره بسوء أبداً سراً ولا علانية ) . انظر : البيهقي في الدلائل (5/398-399) مطولاً ، وأحمد في المسند (3/86) مختصراً ، وأورد ابن كثير في البداية (5/120) رواية البيهقي وقال عنها : وهذا إسناد جيد على شرط النسائي ولم يروه أحد من أصحاب الكتب الستة .
فلما اشتكى الناس علياً قام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيباً فقال : أيها الناس ، لا تشكوا علياً ، فوالله إنه لأخشن في ذات الله أو في سبيل الله من أن يُشتكى . انظر : السيرة النبوية لابن هشام (4/603) ومسند الإمام أحمد (3/86 ) وإسناده حسن .
و قد ذكر أن هذه الخطبة كانت في غدير خُم أثناء عودة النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة ، و مما قاله النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الخطبة : من كنت مولاه فعلي مولاه . المسند (5/419) و فضائل الصحابة للإمام أحمد (2/572) و إسناده صحيح ، و المعجم الكبير للطبراني (4/173-174) و قال الهيثمي في المجمع (9/104) : رواه أحمد و الطبراني و رجال أحمد ثقات . قلت : فيه حنش بن الحارث بن لقيط النخعي ، قال عنه ابن حجر في التقريب ترجمة رقم (1575) : لا بأس به ، وقال الألباني رحمه الله : هذا إسناد جيد رجاله ثقات . انظر : السلسلة الصحيحة (4/340

) .
و في رواية كما عند مسلم عن زيد بن أرقم قال :

 قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيباً بماء يدعى خما ، بين مكة و المدينة . فقال : أما بعد أيها الناس إنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب ربي ، و إني تارك فيكم ثقلين ، أولهما كتاب الله فيه الهدى و النور ، فخذوا بكتاب الله و استمسكوا به ، فحث على كتاب الله و رغّب فيه ، ثم قال و أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ، قالها ثلاثاً . صحيح مسلم (رقم 6175) .
و في رواية بعد أن حمد الله وأثنى عليه : يا أيها الناس إنه لم يبعث نبي قط إلا عاش نصف ما عاش الذي قبله ، وإني أوشك أن أُدعى فأُجيب ، وإني تارك فيكم ما لن تضلوا بعده كتاب الله ، ثم قام وأخذ بيد علي رضي الله عنه فقال : من كنت مولاه فعلي مولاه . المعجم الكبير للطبراني (5/171-172 ) و قال الألباني رحمه الله : رجاله ثقات . السلسلة الصحيحة (4/335) .
و قد ورد خبر غدير خُم في زيادات عبد الله على مسند الإمام أحمد عن زيد بن أرقم قال : نزلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بواد يقال له وادي خم ، فأمر بالصلاة فصلاها بهجير ، قال : فخطبنا و ظُلل لرسول الله صلى الله عليه وسلم بثوب على شجرة سمرة من الشمس ، فقال : ألستم تعلمون ، ألستم تشهدون إني أولى بكل مؤمن من نفسه ؟ قالوا : بلى ، قال : فمن كنت مولاه فإن علياً مولاه ، اللهم عاد من عاداه ووال من والاه . المسند (4/372) والمعجم الكبير للطبراني (5/202 ) وقال الهيثمي في المجمع (9/104 ) : و فيه ميمون أبو عبد الله البصري وثقه ابن حبان ، و ضعفه جماعة ، و بقية رجاله ثقات . و قال محقق سير أعلام النبلاء (14/207) إسناده صحيح ، قال ابن حجر في التقريب ترجمة رقم (7051) عن ميمون : ضعيف ، من الرابعة . ورواه الإمام أحمد في فضائل الصحابة (2/563-596) و إسناده صحيح كما قال المحقق ، وابن ماجة في السنن )1/43) و الحاكم في المستدرك (3/110 ) والترمذي في السنن (5/297) و ابن أبي شيبة في المسند كما ذكره ابن حجر في المطالب العالية (4/60 ) وابن أبي عاصم في السنة (2/604-607) و الدولابي في الكنى والأسماء (2/61) و النسائي في الخصائص (ص 72) ، و ابن شيبة في المصنف (12/67-68) و البزار في كشف الأستار (3/190-191) ، ورواه ابن كثير في البداية (5/235) من عدة طرق ، قال في إحداها : ( تفرد به النسائي من هذا الوجه ، قال شيخنا أبو عبد الله الذهبي : وهذا حديث صحيح ) ، وقال في أخرى (5/235) : من رواية أحمد : و هذا إسناد جيد ورجاله ثقات على شرط السنن . النظر البداية والنهاية (5/234-240 ) عن مناقشة روايات هذا الحديث . وقد جمع طرقه العلامة الألباني رحمه الله في الصحيحة (4/330) .
قلت : وأول الحديث متواتر ، أعني قوله صلى الله عليه وسلم : ( من كنت مولاه فعلي مولاه ) ، أما قوله : ( اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ) فزيادة قوية الإسناد . انظر : البداية والنهاية (5/514) و قطف الأزهار المتناثرة في الأحاديث المتواترة للسيوطي ( ص 277) .
و نلاحظ أن خبر غدير خم قد نقله عدد من الرواة الشيعة ، فقد ورد من طريق حبة العرني . انظر : الكامل في ضعفاء الرجال (6/2222) و قد رواه عنه سلمة بن كهيل و نقله ابن عقدة من طريق حبة بإسناد ضعيف جداً . انظر : الإصابة في تمييز الصحابة (1/372) .
و من طريق سليمان بن قرم ، انظر : الكامل في ضعفاء الرجال (3/1106-1107) .
و من طريق سلمة بن كهيل . انظر : فضائل الصحابة (2/613) و الكامل في ضعفاء الرجال (6/2222) و المستدرك للحاكم (3/109-110) .
و من طريق علي بن زيد بن جدعان . انظر : مسند الإمام أحمد (4/281) و سنن ابن ماجة (1/43) .
ومن طريق يزيد بن أبي زياد . انظر : مسند الإمام أحمد (1/119) و مسند أبي يعلى (1/428) وتاريخ بغداد (14/236) .
ومن طريق فطر بن خليفة . انظر : مسند الإمام أحمد (4/370) و فضائل الصحابة (2/682) و خصائص علي (ص 113) و الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان (9/42) .
و من طريق جعفر بن سليمان الضبعي . انظر : الجامع الصحيح (5/632) و قال الترمذي : هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث جعفر بن سليمان ، و انظر المستدرك (3/110 ) .
ومن طريق عبد الرزاق . انظر : مصنف عبد الرزاق (15/225) مختصراً ، و فضال الصحابة (592) لكنه لم ينص على ذكر غدير خم .
والآن نأتي إلى تحليل الأحاديث ..
قلت : لهذه الأحاديث سبب يظهر به معناه ، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أرسل علياً إلى اليمن قبل خروجه من المدينة لحجة الوداع ، وفي سفره هذا حصلت عدة أمور وجد أصحاب علي في أنفسهم عليه ، منها : كان فيما غنم المسلمون جارية جميلة ، ولما قسم علي الغنيمة وقعت في سهمه ، فتسرى بها ، فأنكر عليه أصحابه .
وأيضاً : أن علياً رضي الله عنه لما أحس بدنو الحج استخلف على أصحابه رجلاً ، و سبقهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم بمكة ، و عمد الرجل وكسا كل واحد من أصحابه حلة من الثياب التي كانت مع علي ، و لما دنا الجيش و خرج علي ليلقاهم فإذا عليهم حلل ن فانتزعها منهم فأظهر الجيش شكواه .
و أيضاً : أن أصحاب علي رضي الله عنه عندما رأوا أن في إبلهم ضعفاً ، طلبوا منه أن يركبوا إبل الصدقة و يريحوا إبلهم ، فأبى ذلك ، و لما ذهب علي للحج أعطاهم ذلك من استخلفه عليهم ، و عندما لقيهم علي ورأى خللاً في إبل الصدقة لامه على فعله هذا .
و بسبب هذه الأمور كثر القيل والقال في علي واشتهر الكلام فيه في الحجيج و بالأخص بين أهل المدينة ، ولم يرد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يفعل ذلك أثناء موسم الحج ، لأن الحادثة رغم انتشارها بقيت محدودة في أهل المدينة ، كما أنه لم يؤخره حتى يصل المدينة حتى لا يُمكن للمنافقين من استغلال مثل هذه الحادثة في مكائدهم ، و بعد فراغه صلى الله عليه وسلم من الحج ، وأثناء عودته إلى المدينة ، قام في الناس خطيباً فبرأ ساحة علي و رفع من قدره و نبه على فضله و نوه بشأنه ، ليزيل ما وقر في نفوس كثير من الناس و بالأخص من كان معه في اليمن ، وأخذوا عليه بعض الأمور ، بسبب ما جرى له من أصحابه . انظر البداية النهاية (5/104-105 ) . و أضواء على دراسة السيرة صالح الشامي (ص 113-114 ) .
و مما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد من خطبته هذه بيان فضل علي للذين لم يعرفوا فضله ، أنه عندما قام عنده بريدة بن الحصيب يتنقص من علي وكان قد رأى من علي جفوة - ، تغير وجه النبي صلى الله عليه وسلم وقال : يا بريدة ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم .. الحديث .
وأما ما يستدل به الشيعة بهذه الواقعة على إثبات خلافة علي فقد أجاب عنه الإمام ابن تيمية في منهاج السنة (4/84-85) فقال : ليس في هذا الحديث يقصد حديث الغدير ما يدل على أنه نص على خلافة علي ، إذ لم يرد به الخلافة أصلاً ، و ليس في اللفظ ما يدل عليه ، ولو كان المراد به الخلافة لوجب أن يبلغ مثل هذا الأمر العظيم بلاغاً بيناً .. الخ .
و لفظ مسلم يدل على أن الذي أمرنا بالتمسك به و جعل المتمسك به لا يضل ، هو كتاب الله . و جاء في غير هذا الحديث عن جابر في حجة الوداع لما خطب يوم عرفة و قال : و قد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله . صحيح مسلم (رقم 2941) .
وقال الإمام أبو نعيم الأصبهاني في تثبيت الإمامة ( ص 55 ) : هذه فضيلة بينة لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ، ومعناه : من كان النبي صلى الله عليه وسلم مولاه فعلي ولمؤمنون مواليه ، دليل ذلك قول الله تبارك و تعالى {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض } وقال { والذين كفروا بعضهم أولياء بعض } والولي والموالى في كلام العرب واحد ، والدليل عليه قوله تبارك وتعالى { ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم } أي لا ولي لهم وهم بيده و هو مولاهم ، وإنما أراد لا ولي لهم ، وقال { فإن الله هو مولاه و جبريل و صالح المؤمنين } و قال الله { الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور } و قال : { و من يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون } ، وإنما هذه منقبة من النبي صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه ، وحث على محبته و ترغيب في ولايته لما ظهر من ميل المنافقين عليه و بغضهم له . أهـ .
و قال البيهقي في الاعتقاد ( ص 354 ) : وأما حديث الموالاة فليس فيه نص على ولاية علي بعده ، فقد ذكرنا من طريقه في كتاب الفضائل ما دل على مقصود النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك ، و هو أنه لما بعثه إلى اليمن ، كثرت الشكاة منه ، وأظهروا بغضه ، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يذكر اختصاصه به و محبته إياه ، و يحثهم بذلك على محبته و موالاته و ترك معاداته ، فقال : ( من كنت وليه فعلي وليه ) و في بعض الروايات ( من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ) والمارد به ولاء الإسلام و مودته ، وعلى المسلمين أن يوالي بعضهم بعضاً لا يعادي بعضهم بعضاً ، و هو في معنى ما ثبت عن علي رضي الله عنه أنه قال : ( والذي فلق الحبة و برأ النسمة إنه لعهد النبي الأمي صلى الله عليه وسلم إلي أنه لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلى منافق ) . أهـ .
و قال الإمام ابن كثير في البداية و النهاية (7/225) : و أما ما يفتريه كثير من جهلة الشيعة و القصاص الأغبياء من أنه أوصى _ يقصد النبي صلى الله عليه وسلم إلى علي بالخلافة فكذب و بهت و افتراء عظيم ، يلزم منه خطأ كبير من تخوين الصحابة و ممالأتهم بعده على ترك تنفيذ وصيته و إيصالها إلى من أوصى إليه و صرفهم إياها إلى غيره لا لمعنى و لا لسبب .
و قد شكك الإمام ابن تيمية في صحة الحديث الذي ورد في خبر غدير خم ( من كنت مولاه فعلي مولاه ) وأما باقي النص ( اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ) فقد كذبه . انظر : مجموع الفتاوى (4/417- 418 ) ، لكنه في رده على الرافضي أشار إلى أن الحديث ليس فيه إشارة إلى الخلافة كما تدعي الشيعة عند احتجاجهم بمثل هذا الحديث . انظر : منهاج السنة (7/319-320) .
و قد جمع الإمام الطبري رحمه الله طرق حديث غدير خم في أربعة أجزاء كما قال الذهبي في تذكرة الحفاظ (2/713) : رأيت شطره فبهرني سعة رواياته ، وجزمت بوقوع ذلك .
و قد كان لتصحيح الإمام الطبري لحديث الغدير الأثر الأكبر في اتهامه بالرفض ، فقد استغل أعداؤه تصحيحه للحديث المذكور فقاموا يقذفونه بالتهم مستخدمين سلاح التشهير به والنيل من عقيدته ، يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله في بيان أسباب اتهامه بالرفض : ( وإنما نبذ بالتشيع لأنه صحح حديث غدير خم ) لسان الميزان (5/100) .
قلت : و الإمام الطبري رحمه الله ليس الوحيد الذي صحح هذا الحديث ، بل إن كثيراً من علماء أهل السنة صححوه كما مر معنا ..
وعلاوة على ذلك فإن الإمام الطبري رحمه الله خالف الشيعة في النتائج التي رتبوها على هذا الحديث مخالفة كبيرة تتلخص فيما يلي :-
فالشيعة قد قالوا بأن حديث غدير خم نص على تعيين الرسول صلى الله عليه وسلم لعلي خليفة من بعده ، وأميناً للوحي ، وأخذ البيعة له بإمرة المؤمنين يوم الغدير . انظر : عقائد الإمامية لعلي رضا المظفر ( ص 60-61 ) .
و ذكروا كذلك أن تعيين علي بن أبي طالب كان من تمام الدين إذ لم يتفرق الناس حتى نزل قوله تعالى { اليوم أكملت لكم دينكم } ، و ساقوا على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم حديثاً : ( الله أكبر على تمام الدين و رضا الرب برسالتي ، و بالولاية لعلي من بعدي ) . انظر : الدر المنثور للسيوطي (2/259) و قال : أخرجه ابن مردوية وابن عساكر بسند ضعيف لما نصب رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً أي خليفة يوم غدير خم فنادى له بالولاية هبط جبريل عليه بهذه الآية { اليوم أكملت لكم دينكم } . أهـ . وأخرج الخطيب البغدادي قريباً منه في تاريخ بغداد (8/296) ، و فيه مطر الوراق و هو ضعيف . انظر : تقريب التهذيب (2/256) ، وبالإضافة إلى ضعف الأسانيد فإن هذه الروايات تخالف الأحاديث الصحاح التي أثبتت أن الآية { اليوم أكملت لكم دينكم } نزلت في حجة الوداع . البخاري (5/285) .
وأما الإمام الطبري فقد خالف الشيعة في النتائج التي رتبوها على هذا الحديث مخالفة جذرية ، فقد أثبت أن أحق الناس بالخلافة بعد النبي صلى الله عليه وسلم وأولاهم بالإمامة أبو بكر الصديق ثم عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان ثم علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين ، وأن ترتيبهم في الفضل كترتيبهم في الإمامة . انظر صريح السنة للطبري ( ص 24 ) .
و لم يتعرض الإمام الطبري أيضاً لحديث الغدير ولا للإمامة عند تفسيره لآية كمال الدين { اليوم أكملت لكم دينكم } بل خالف الشيعة في تفسير هذه الآية مخالفة كبيرة ، حيث أثبت بسند صحيح أن هذه الآية نزلت في يوم عرفة خلافاً للشيعة الذين زعموا أنها نزلت في غدير خم . انظر : جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري (4/51 ) .
و خالفهم كذلك في مقصود هذه الآية ، إذ بين أنها نزلت في حجة الوداع لتبين للناس أن الله سبحانه وتعالى أكمل لهم دينهم فإفرادهم بالبلد الحرام وإجلاء المشركين . انظر المصدر نفسه (4/52) ، خلافاً للشيعة الذين زعموا أنها نزلت لتبيين للناس أن الدين قد اكتمل بوصية النبي صلى الله عليه وسلم بالإمامة من بعده لعلي بن أبي طالب .
فعلم أنه لم يكن في غدير خم أمرٌ بشرع نزل إذ ذاك ، لا في حق علي و لا في حق غيره ، لا بإمامة و لا بغيرها ، و قد بين العلماء المحققون معنى هذا الحديث و معنى الآية ، وأبطلوا دعوى الروافض حولهما ، و من شاء فليراجع مواضعه في منهاج السنة النبوية لشيخ الإسلام ابن تيمية و منهاج الاعتدال للذهبي و العواصم من القواصم لابن العربي .
و ختاماً أتمنى أن أكون قد وفقت في بيان الحق في هذه القضية ..
والحمد لله رب العالمين .. أخوكم : أبو عبد الله الذهبي ..

تعليقات
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ العزيز : عبد الجبار ، بالنسبة للحادثة فقد كانت بعد حجة الوداع و بالتحديد يوم الثامن عشر من ذي الحجة كما قال بذلك الدكتور مهدي رزق .. في كتابه السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية ( ص 678 ) .
و بما أنها حدثت بعد حجة الوداع فالأهمية تكمن في أن الرسول صلى الله عليه وسلم لو أراد أن يبلغ بشرع جديد أو بالوصية لعلي ، لفعل ذلك في أثناء الحج وفي يوم عرفة لاجتماع الناس .. ولم يؤجله إلى بعد الحج ، و الرافضة أنفسهم يؤكدون أن الحادثة وقعت بعد الحج و ليس قبل الحج .. فهذه عليهم .. و ليست لهم ..

منقول من الاخ حفظه الله
أبو عبد الله الذهبي ..