يوم إكمال الدين إنما كان يوم عرفة، وهو اليوم التاسع من ذي الحجة، وليس يوم الغدير الذي كان في اليوم الثامن عشر منه.

الرد على الاستدلال بما صح من الروايات

إن القوم أثبتوا في كتبهم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتحارسه أصحابه، فأنزل الله:

((يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ)) [المائدة:67]،

 فترك الحرس حين أخبره تعالى أنه يعصمه من الناس لقولـه:

 ((وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ)) [المائدة:67].

وفي رواية:

 قال لحراس من أصحابه كانوا يحرسونه -منهم: سعد، وحذيفة-: الحقوا بملاحقكم، فإن الله سبحانه عصمني من الناس([122]).. وغيرها.

وهذا تماماً ما أثبته أهل السنة في كتبهم من طرق صحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم، أضف إلى ذلك أن سورة المائدة -التي منها هاتان الآيتان-

قد نزلت بالمدينة، إلا آية إكمال الدين، وقد أثبت القوم ذلك في تفاسيرهم([123])، وهو الصحيح،

 وآية إكمال الدين هذه نزلت يوم عرفات، كما ثبت بالنقل الصحيح، وقد سلَّم القوم بذلك([124]).

فتبين عندك أنه لم ينزل يوم الغدير الذي هو يوم الثامن عشر من ذي الحجة شيء من القرآن،

وحسب هذا الاستدلال كل هذا الاضطراب.

وهذا أيضاً يجرنا إلى القول بأن ما أنزل الله بشأنه آية إكمال الدين يوم عرفة إنما كان ركن الحج الذي هو آخر أركان الدين.

نعم، نزلت بعض مسائل الحلال والحرام بعدها،

 وإنما القول هنا بإكمال أركان الإسلام،

 وهذا يعني أن الغدير وما كان فيه لم يكن من أركان الإسلام، هذا إن كان فيه أصلاً ما يفيد ذلك، وستقف على خلافه.

وكان للقوم في هذا الإشكال -أعني:

أن أركان الإسلام اكتملت بركن الحج ونزول آية الإكمال، وهي تفيد الحصر الزمني بذلك اليوم والإكمال بصيغة وقوع الفعل لقولـه:

 ((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ)) [المائدة:3]

أي: أن يوم إكمال الدين إنما كان يوم عرفة، وهو اليوم التاسع من ذي الحجة، وليس يوم الغدير الذي كان في اليوم الثامن عشر منه.

أقول: وقد كان للقوم في هذا الإشكال اضطرابٌ بيِّنٌ وتكلف واضح في رده:

فمن ذلك:

قول أحدهم: إنه من الجائز أن ينزل الله سبحانه معظم السورة وفيه قولـه: ((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ)) [المائدة:3]، وينزل معه أمر الولاية كل ذلك يوم عرفة، فأخر النبي صلى الله عليه وسلم بيان الولاية إلى غدير خم، وقد كان تلا آيتها يوم عرفة([125]).

وقبله نسبوا إلى الباقر أنه قال في حديث طويل عما فرض الله عز وجل على العباد، ثم نزلت الولاية، وإنما أتاه ذلك في يوم الجمعة بعرفة، أنزل الله عز وجل: ((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ)) [المائدة:3] وكان كمال الدين بولاية علي بن أبي طالب... الرواية([126]).

فأنت ترى هنا تصريحاً بنزولها يوم عرفة، أي: يوم التاسع من ذي الحجة، فكيف يزعم القوم أنها نزلت يوم الثامن عشر منه، أي: يوم الغدير، وقد رد البعض على هذه الرواية بأن عرفة يحتمل أن تكون هنا بالضم، وهي اسم لثلاثة عشر موضعاً، فلا يبعد أن يكون أحدها قريباً من غدير خم([127])، والقوم معذورون، إذ قد اضطربوا بهذه الروايات.

ثم لا أدري كيف يمكن تلاوة آية تفيد وقوع الإكمال للدين، وفي يوم محدد وهو يوم عرفة في هذا الحشد الهائل ممن كان معه صلى الله عليه وسلم والذي بلغ في رواية تسعين ألفاً.

وفي أخرى: مائة ألف وأربعة عشر ألفاً.

وأخرى: مائة ألف وعشرون ألفاً.

وأخرى: مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً، وقيل غير ذلك([128]).

وبعد بيان مناسك الحج الذي هو آخر الأركان، وذكرِ القواعد العامة للإسلام كما جاء في خطبة الوداع باتفاق المسلمين، وقولـه صلى الله عليه وسلم: ألا هل بلغت؟ ألا هل بلغت؟ فقال من حضر: نعم، فقال: اللهم اشهد، وأمر بتبليغ الحاضر للغائب، ويكون مما أمر بتبليغه حصل ذلك اليوم.

لا أدري كيف يكون هذا؟ ثم يأتي قائل فيقول: إن أمر الولاية نزل يوم عرفة، فأخر النبي صلى الله عليه وسلم بيان ذلك حتى بلغ غدير خم الذي يقع على بعد عشرة فراسخ من المدينة، وعلى أربعة أميال من الجحفة، حيث إن كثيراً من الذين حجوا معه أو أكثرهم لم يكونوا معه يوم الغدير، بل بقي أهل مكة في موطنهم، ورجع أهل الطائف وأهل اليمن وأهل البوادي القريبة من ذاك إلى مواطنهم، وإنما رجع معه أهل المدينة ومن كان قريباً منها، حيث لم يبق معه يوم الغدير -حسب روايات القوم- سوى اثني عشر ألف رجل، أو عشرة آلاف رجل كما في أخرى، أو ألف وثلاثمائة رجل كما في رواية الباقر([129])، من أصل المائة ألف وأربعة وعشرين ألفاً الذين كانوا معه يوم عرفة، كما مرَّ بك.

فدل ذلك على أن ما جرى يوم الغدير لم يكن مما أمر بتبليغه كالذي بلغه صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، والذي لم يصح فيه ذكر لعلي رضي الله عنه، وأن قولـه صلى الله عليه وسلم: هل بلغت؟ دليل على أن الله عز وجل ضمن له العصمة من الناس إذا بلغ الرسالة، مما يدل على أن نزول آية التبليغ سابقة ليوم عرفة فضلاً عن يوم الغدير، حيث لم يكن خائفاً من أحد يحتاج أن يعتصم منه، بل كل من كان معه مسلمون منقادون له، ليس فيهم كافر، والمنافقون مقموعون مسرون للنفاق ليس فيهم من يحاربه ولا من يخاف الرسول صلى الله عليه وسلم منه، كما قيل في ذلك.

ومن الطرائف: أن القوم ملئُوا كتبهم من حماس النبي صلى الله عليه وسلم في تبليغ ولاية علي رضي الله عنه إلى قومه قبل ذلك بكثير، خلافاً لمشيئة الله عز وجل كما تروي رواياتهم، وهو الأمر الذي نراه قد انقلب تماماً هنا، فمن هذه الروايات:

ما نسبوه إلى الباقر أنه قال في قولـه تعالى: ((وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً)) [الإسراء:110] قال: لا تجهر بولاية علي فهو الصلاة، ولا بما أكرمتك به حتى آمرك، فأما قوله: ((وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً)) [الإسراء:110] يقول: تسألني أن آذن لك أن تجهر بأمر علي بولايته، فأذن له بإظهار ذلك يوم غدير خم، فهو قولـه يومئذٍ: اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه([130]).

فأنت ترى أنه صلى الله عليه وسلم بزعم القوم أراد إبلاغ ولاية علي بن أبي طالب رضي الله عنه قبل الغدير بأكثر من عشر سنوات، إذا علمنا أن سورة الإسراء التي منها هذه الآية من السور المكية.

بل نراه يوم عرفة غير هائب لقومه في بيان فضائل علي على الملأ، كما يروي القوم أنه صلى الله عليه وسلم قال: إني رسول الله إليكم غير هائب لقومي ولا محاب لقرابتي، هذا جبرئيل يخبرني أن السعيد كل السعيد حق السعيد من أحب علياً في حياتي وبعد موتي([131]).

ثم يقولون بتردده حتى يوم الغدير، والغريب أن القوم وهم يقولون بعصمة النبي صلى الله عليه وسلم والأئمة بالصورة التي ذكرناها لك عند الكلام في آية التطهير، وبالرغم من استماتتهم في رد كل ما ينافي تلك العصمة، نراهم هنا يستميتون في بيان خلاف ذلك، لأنهم يرون أن في ذلك خدمة لمعتقدهم.

فلم نر أحداً منهم رد على هذا الأمر الذي فيه خلاف النبي صلى الله عليه وسلم في تبليغ أمرٍ من أمور الشرع، حتى بدأ الناس ينفضون من حوله ويعودون إلى أوطانهم، حتى لم يبق معه سوى القليل، وكان جبرئيل عليه السلام ينزل المرة تلو الأخرى بالأمر بتبليغ رسالة ربه، والنبي صلى الله عليه وسلم يتردد، حتى استوجب غضب الله عز وجل وتهديده، حتى قال هو صلى الله عليه وسلم كما مرَّ بك بزعم القوم: تهديد بعد وعيد، لأمضين أمر الله عز وجل، فإن يتهموني ويكذبوني فهو أهون علي من أن يعاقبني العقوبة الموجبة في الدنيا والآخرة.

فلم نجد أحداً منهم رد هذا الخلاف البين المنافي للعصمة بل نرى العكس، فقد وضعوا في إثبات ذلك روايات عدة، منها ما هو في غير هذه المناسبة، بل إن ذلك كان منه صلى الله عليه وسلم بزعمهم منذ بدء الدعوة، فمن هذه الروايات:

عن علي رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ)) [الشعراء:214] دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لي: ياعلي، إن الله أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين، قال: فضقت بذلك ذرعاً وعرفت أني متى أناديهم بهذا الأمر أرى منهم ما أكره، فَصَمتُّ على ذلك وجاءني جبرئيل عليه السلام، فقال: يا محمد، إنك إن لم تفعل ما أمرت به عذبك ربك عز وجل... الرواية([132]).

وعن جابر الجعفي قال: قرأت عند أبي جعفر قول الله تعالى: ((لَيْسَ لَكَ مِنْ الأَمْرِ شَيْءٌ)) [آل عمران:128] قال: بلى والله، إن له من الأمر شيئاً وشيئاً وشيئاً، وليس حيث ذهبت، ولكني أخبرك، ثم ذكر أن الله عز وجل أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بإظهار ولاية علي رضي الله عنه، ففكر في عداوة قومه له ومعرفته بهم.. إلى أن قال: ضاق عن ذلك صدره، فأخبر الله أنه ليس له من هذا الأمر شيء([133]).

ومنها: أن جبرئيل عليه السلام نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بولاية علي، فقال: يا جبرئيل، أخاف مِنْ تشتت قلوب القوم -وفي رواية: وبكى- فقال له جبرئيل عليه السلام: مالك يا محمد أجزعت من أمر الله؟ فقال: كلا يا جبرئيل، ولكن قد علم ربي ما لقيت من قريش إذ لم يقروا لي بالرسالة حتى أمرني بجهادي، وأهبط إلي جنوداً من السماء فنصروني، فكيف يقروا لعلي من بعدي؟ فانصرف عنه جبرئيل، ثم نزل عليه: ((فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ)) [هود:12] ([134]).

وفي أخرى متصلة بالغدير: عن الباقر قال: فلم يبلغ ذلك وخاف الناس.

وفي أخرى: وامتنع رسول الله من القيام بها لمكان الناس([135]).

بل وجعلوا ذلك في أدعية يوم الغدير، حيث ذكروا في ذلك عن الصادق في دعاءٍ طويل فيه: أمرته أن يبلغ عنك ما أنزلت إليه من موالاة ولي المؤمنين وحذرته وأنذرته إن لم يبلغ أن تسخط عليه([136]).. وهكذا.

بل وذكروا أن حفيد إبليس كان أحرص على ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم، حيث رووا أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسلم عليه، وقال: من تكون؟ فقال: أنا الهام بن الهيم بن لاقيس بن إبليس، فقال صلى الله عليه وسلم: بينك وبين إبليس أبوان؟ قال: نعم يا رسول الله، فذكر حديثاً طويلاً فيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل الهام حاجته؟ فقال: حاجتي أن تأمر أمتك أن لا يخالفوا أمر الوصي([137])، وغيرها.

فكيف يقرون بصدور كل هذا منه صلى الله عليه وسلم من تردد وخشية الناس، وهو الذي نزل عليه قولـه تعالى: ((وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ)) [الأحزاب:37] في مسألة من المباحات، بينما نجده هنا في مسألة من أعظم أركان الدين بزعم القوم.

ومن الطرائف: أن من قال من المسلمين بجواز الخطأ على الأنبياء إنما قال ذلك في الجانب البشري لا التشريعي، أو فيما يبلغه صلى الله عليه وسلم عن ربه، خلافاً لمعتقد القوم في العصمة من أن الأنبياء والأئمة معصومون مطهرون من كل دنس، وأنهم لا يذنبون ذنباً صغيراً ولا كبيراً ولا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، ومن نفى عنهم العصمة في شيء من أحوالهم فقد جهلهم، وأن ذلك يكون قبل النبوة والإمامة وبعدها، بل من وقت ولادتهم إلى أن يلقوا الله سبحانه، فلا يقع منهم ذنب أصلاً لا عمداً ولا نسياناً ولا خطأ في التأويل ولا إسهاءً من الله سبحانه... إلى آخر ما قالوه في هذا الشأن، وقد مرَّ بك، ولكن تراهم هنا قد تغاضوا عن كل ما بنوه وأسسوه، وجوزوا ذلك عليه، وهذا في الجانب التبليغي، وهذا من عجائب التناقضات عند القوم وما أكثرها!

نعود إلى الكلام أيضاً في شأن هذه الآية -أعني: آية التبليغ- فالاستدلال هنا كما ترى وكما ذكرنا إنما هو بالقرآن، والآية عامة في كل ما نزل، وليس فيها ذكر لشيء معين، وما ذهب إليه القوم هو الاستدلال بالخبر لا بالقرآن لخلوه من ذكر علي رضي الله عنه.

وعندما تفطن بعضهم إلى هذا -مع يقينهم بعدم صحة كل ما أوردوه في إثبات نزول الآية في هذا المقام كما مر بك- ذهب إلى القول بأن اسم علي رضي الله عنه كان من ضمن ألفاظ الآية إلا أنه حذف.

ومن ذلك: قول القمي صاحب التفسير في مقدمته: وأما ما هو محرف، فمنه قولـه: [يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك في علي وإن لم تفعل فما بلغت رسالته]([138]).

ومنها: ما رووه عن زر، عن أبي عبدالله قال: كنا نقرأ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أيها الرسول بلع ما أنزل إليك من ربك أن علياً مولى المؤمنين، فإن لم تفعل فما بلغت رسالته، والله يعصمك من الناس([139]).

ومنها: عن عيسى بن عبدالله، عن أبيه، عن جده في قولـه: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك في علي، وإن لم تفعل عذبتك عذاباً أليما، فطرح عدوي -أي: عمر- اسم علي([140]). وغيرها([141]).

فليس هناك أدل من هذا على تهافت هذا الاستدلال.

إلى هنا تبين لنا بالدلائل القاطعة فساد كل ما قيل في شأن الغدير من نزول آيات من القرآن، ومن تردد النبي صلى الله عليه وسلم في تبليغ ما أمر به، ومن كون ذلك منذ يوم عرفة، ومن روايات مصطنعة بتكلف بَيّن، مثل رَدِّ مَنْ تقدم من القوم وحبس من تأخر، وأنه كان يوماً هاجراً يضع الرجل بعض ردائه على رأسه وبعضه تحت قدميه من شدة الرمضاء.. إلى آخر ما وضعوه في ذلك، حتى خلصنا إلى بيان أن ما كان من شأن غدير خم ليس سوى قولـه صلى الله عليه وسلم: (من كنت مولاه، فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه) ولكن ما الذي استوجب قولـه صلى الله عليه وسلم لهذا في حق علي رضي الله عنه؟

لا جدال في أن علياً رضي الله عنه كان في اليمن عند خروج الرسول صلى الله عليه وسلم إلى حجة الوداع، وأنه رضي الله عنه لحق به وحج معه([142])، وهناك في اليمن حصلت أمور بينه وبين أصحابه توضحها روايات عدة:

منها: ما رواه عمرو بن شاس الأسلمي: أنه كان مع علي بن أبي طالب في اليمن، فجفاه بعض الجفاة فوجد عليه في نفسه، فلما قدم المدينة اشتكاه عند من لقيه، فأقبل يوماً ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد، فنظر إليه حتى جلس إليه، فقال: يا عمرو بن شاس، لقد آذيتني، فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، أعوذ بالله وبالإسلام أن أؤذي رسول الله، فقال: من آذى علياً فقد آذاني([143]).

وعن الباقر قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم علياً إلى اليمن، فذكر قضاءه في مسألة فيها أن علياً رضي الله عنه قد أبطل دم رجل مقتول، فجاء أولياؤه من اليمن إلى النبي يشكون علياً فيما حكم عليهم، فقالوا: إن علياً ظلمنا وأبطل دم صاحبنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن علياً ليس بظلام([144]).

وفي رواية: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد التوجه إلى الحج كاتب علياً رضي الله عنه بالتوجه إلى الحج من اليمن، فخرج بمن معه من العسكر الذي صحبه إلى اليمن ومعه الحلل التي كان أخذها من أهل نجران، فلما قارب مكة خلف على الجيش رجلاً، فأدرك هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أمره بالعودة إلى جيشه، فلما لقيهم وجدهم قد لبسوا الحلل التي كانت معهم، فأنكر ذلك عليهم، وانتزعها منهم، فاضطغنوا لذلك عليه، فلما دخلوا مكة كثرت شكايتهم من أمير المؤمنين رضي الله عنه، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مناديه فنادى في الناس: ارفعوا ألسنتكم عن علي بن أبي طالب؛ فإنه خشن في ذات الله عز وجل، غير مداهن في دينه([145]).

وعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشاً واستعمل عليهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فمشى في السرية وأصاب جارية، فأنكروا ذلك عليه، وتعاقد أربعة من أصحاب رسول الله، فقالوا: إذا لقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرناه بما صنع علي.. فذكر شكوى الأربعة وإعراض رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم، وقولـه: (من كنت مولاه فعلي مولاه) ([146]).

وهكذا بدأت تتضح الصورة.

وعن بريدة رضي الله عنه قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية، فلما قدمنا قال: كيف رأيتم صحابة صاحبكم؟ قال: فإما شكوته أو شكاه غيري، قال: فرفعت رأسي وكنت رجلاً مكباباً، قال: فإذا النبي قد احمر وجهه وهو يقول: من كنت وليه فعلي وليه([147]).

وفي رواية عنه أيضاً رضي الله عنه قال: غزوت مع علي اليمن، فرأيت منه جفوة، فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم تنقصته، فرأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتغير، فقال: يا بريدة، ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال صلى الله عليه وسلم: فمن كنت مولاه فعلي مولاه([148]).

وفي أخرى: أن رجلاً كان باليمن فجفاه علي بن أبي طالب، فقال: لأشكونك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن علي فشنا عليه، فقال: أنشدك بالله الذي أنزل علي الكتاب واختصني بالرسالة عن سخط تقول، ما تقول في علي بن أبي طالب؟ قال: نعم يا رسول الله، قال: ألا تعلم أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قال: بلى، قال: فمن كنت مولاه فعلي مولاه([149]).

فدلت هذه الروايات على أن سبب قولـه صلى الله عليه وسلم لذلك إنما كان بسبب ما ذكرناه من شكوى الناس منه رضي الله عنه، وأنه ليس المراد به الدلالة على الوصاية إليه لجعله على سبب، وبعد تفرق الحجيج وانصراف كل أهل ناحية إلى ناحيتهم.

والغريب أن كتب القوم تذكر أن قولـه صلى الله عليه وسلم في حق علي رضي الله عنه: من كنت مولاه فعلي مولاه، قد كان تكرر منه قبل الغدير بسنين عديدة، مما يدل على أنه ليس فيما كان في يوم الغدير خاصية مختلفة لقولـه هذا عن ذي قبل سوى أن قولـه يوم ذاك كان في محضر الكثير من أصحابه الذين خرجوا معه للحج، ومن تكرار شكوى الناس منه في اليمن، فتوهم من توهم أن قولـه ذلك إنما كان لبيان إمامته، وأضافوا من عند أنفسهم ما يؤيد هذا الزعم؛ من نزول آيات التهديد والوعيد للنبي صلى الله عليه وسلم إن لم يبلغ ذلك الزعم... إلى آخر ما مر بك.

وكما ذكرنا أن ذلك كان منه قبل الغدير، فقد ذكر القوم الكثير من الروايات في ذلك:

منها: ما كان يوم المؤاخاة الذي ذكرناه، حيث آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار وترك علياً فبكى فذهب إلى بيته، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالاً رضي الله عنه في طلبه، فقال: يا علي، أجب النبي، فأتى علي النبي، فقال النبي: ما يبكيك يا أبا الحسن؟ فقال: آخيت بين المهاجرين والأنصار يا رسول الله وأنا واقف تراني وتعرف مكاني ولم تؤاخ بيني وبين أحد، قال: إنما ذخرتك لنفسي، ألا يسرك أن تكون أخا نبيك؟ قال: بلى يا رسول الله، أنَّى لي بذلك؟ فأخد بيده فأرقاه المنبر، فقال: اللهم إن هذا مني وأنا منه، ألا إنه مني بمنزلة هارون من موسى، ألا من كنت مولاه فهذا علي مولاه([150]).

والمؤاخاة كانت في بداية الهجرة.

ومنها: ما كان يوم التصدق بالخاتم بزعمهم، فعن زيد بن الحسن، عن جده رضي الله عنه قال: سمعت عمار بن ياسر رضي الله عنه يقول: وقف لعلي بن أبي طالب سائل وهو راكع في صلاة تطوع، فنزع خاتمه فأعطاه السائل، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعلمه ذلك، فنزل على النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية: ((إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)) [المائدة:55]، فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم علينا، ثم قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه([151]).

ومنها: ما جاء في حديث الطير وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: اللهم ائتني بأحب خلقك إليك، فجاء علي، فقال: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه([152]). وغيرها.

فهذه مواطن قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كنت مولاه فهذا علي مولاه، وهي مقولة الغدير تماماً، فما الذي استوجب كل ما ذكره القوم في حادثة الغدير من قصص وحكايات، وتهديد ونزول آيات، ما داموا يقرون أنه لم يكن منه غير هذه المقولة، وقد وردت عنه صلى الله عليه وسلم منذ سنين عدة كما رأيت.

فإن كان في هذا دلالة على الإمامة فقد ذكرها قبل الغدير، وإن لم يكن فقد أسقط في يد القوم.

وهذا تماماً كقولنا الذي كررناه، وهو إن كان ما نحن فيه من استدلال هو دليل النص على الإمامة، فقد أبطلوا النصوص السابقة منذ بدء العشيرة، مروراً بحادثة ((وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى)) [النجم:1]، والتصدق بالخاتم، ناهيك عما أوردناه في مقدمة الباب الأول([153])، وإن كان العكس فأي جديد في الغدير؟!

ويذكرني هذا بقول الصدوق في حديث الغدير: ونظرنا فيما يجمع له النبي صلى الله عليه وسلم الناس ويخطب به ويعظم الشأن فيه، فإذا هو شيء لا يجوز أن يكونوا علموه فكرره عليهم، ولا شيء لا يفيدهم بالقول فيه معنى، لأن ذلك صفة العابث، والعبث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم منفي([154]).

فهذا اعتراف من صدوق القوم أن كل ما مر بك من أول الكتاب إلى الاستدلال السابق ليس فيه ما يفيد النص على الإمامة لعلي رضي الله عنه؛ لأنه بزعمه لا يجوز أن يكون شيئاً علموه فكرره عليهم.

وبعيداً عن كل ما ذكرناه، لنتكلم الآن في دلالة ما صح من حديث غدير خم وهو قولـه صلى الله عليه وسلم: (من كنت مولاه فهذا علي مولاه)، حيث إن هذا الجزء يكاد يتفق عليه جميع المسلمين، وهو صحيح كما ذكرنا في مقدمة هذا الاستدلال.

فنقول: ورد ذكر الموالاة ومشتقاتها في القرآن الكريم في عشرات المواضع منها: ((إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)) [المائدة:55].

وقولـه: ((وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ)) [التوبة:71].

وقوله: ((وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ)) [الجاثية:19].

وقوله: ((ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ)) [محمد:11].

وقوله: ((اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمْ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنْ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ)) [البقرة:257].

وقولـه: ((وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ * أَمْ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِ المَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)) [الشورى:8-9].

وقوله: ((إِنَّ وَلِيِّي اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ)) [الأعراف:196].

وقوله: ((لا يَتَّخِذْ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ)) [آل عمران:28].

وقوله: ((الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ)) [النساء:139].

وقوله: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ)) [النساء:144].

وقوله: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ)) [المائدة:51].

وقوله: ((إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ)) [الأعراف:27].

وقوله: ((إِنَّهُمْ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ)) [الأعراف:30].

وقوله: ((إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَنَصَرُوا أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجَرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا)) [الأنفال:72].

وقولـه: ((وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ)) [الأنفال:73].

وقولـه: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنْ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ)) [التوبة:23].

وقولـه: ((وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ)) [الجاثية:19].

وقوله: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ)) [الممتحنة:1]

وقولـه: ((النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ)) [الأحزاب:6].

وقولـه: ((وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ)) [الأنفال:40].

وقولـه: ((مَأْوَاكُمْ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)) [الحديد:15].

وقولـه: ((إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ)) [التحريم:4].

فهذه الأمثلة من الآيات، وكذلك ما ورد في السنة الشريفة من الأحاديث وكذلك الآثار، تدل على أن معنى الموالاة تحمل على وجوه عدة ومعانٍ مشتركة قد تبلغ الثلاثين، ولا أرى بأساً من إيرادها، وهي: الرب، العم، ابن العم، الابن، ابن الأخت، المعتِق [بالكسر]، المعتَق [بالفتح]، العبد، المالك، التابع، المنعم عليه، الشريك، الحليف، الصاحب، الجار، النزيل، الصهر، القريب، المنعم، الفقيد، الولي، الأولى بالشيء، السيد غير المالك والمعتق، المحب، الناصر، المتصرف في الأمر، المتولي في الأمر([155])، وغيرها.

ولا شك أن الكثير من هذه الألفاظ لا تنطبق على حديثنا، ولكن أقربها إلى مدلوله هي لفظة [الموالاة] التي هي ضد المعاداة والمحاربة والمخادعة، وليست الإمارة والخلافة، لذا لم يقل صلى الله عليه وسلم: من كنت واليه فعلي واليه أو قريباً من هذا.

وسنأتي على ذكر الكثير من الأحاديث التي وضعها القوم بهذه الألفاظ الواضحة، إقراراً منهم بعدم صراحة لفظ الموالاة في حديثنا هذا المستوجب للخلافة العامة، وإنما اللفظ الوارد: من كنت مولاه فعلي مولاه.

وأما كون المولى بمعنى الوالي فهذا باطل، فإن الولاية تثبت من الطرفين؛ فإن المؤمنين أولياء الله وهو مولاهم، وفي الحديث دليل صريح على اجتماع الولايتين في زمان واحد، إذ لم يقع التقييد بلفظ [بعدي]، بل يدل سياق الكلام على التسوية بين الولايتين في جميع الأوقات من جميع الوجوه كما هو الأظهر، وشركة علي رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم في التصرف في عهده ممتنعة، فهذا أدل دليل على أن المراد وجوب محبته، إذ لا محذور في اجتماع محبتين، بل إحداهما مستلزمة للأخرى، سواء في حياتهما أو بعد وفاتهما صلوات الله عليهما، أما اجتماع التصرفين ففيه محذورات كثيرة كما لا يخفى.

وهذا يذكرنا بما أوردنا من ردود عند الكلام في استدلال التصدق بالخاتم، حيث ذكرنا هناك أن إمامته رضي الله عنه غير مرادة في زمان الخطاب، لأن ذلك عهد النبوة، والإمامة نيابة فلا تتصور إلا بعد انتقال النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا لم يكن زمان الخطاب مراداً، تعين أن يكون المراد الزمان المتأخر عن زمن الانتقال ولا حد للتأخير، فليكن ذلك بالنسبة إلى علي بعد مضي زمان أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم أجمعين، وبهذا يتحقق الوفاق بين الفريقين.

نعم، لا يخلو تخصيص علي رضي الله عنه بالذكر بهذه الموالاة التي هي ضد المعاداة من علة، وقد بينا أن ذلك بسبب ما ذكرناه من شكوى الناس، ومن علمه صلى الله عليه وسلم بالوحي من وقوع الفساد والبغي في زمن خلافته، وإنكار بعض الناس لإمامته بل ومحاربته، حتى احتج هو رضي الله عنه بحديث الغدير لإلزامهم بموالاته ومناصرته.

وهذا موافق تماماً لقول العسكري لما سأله الحسن بن طريف: ما معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمير المؤمنين: من كنت مولاه فعلي مولاه؟ قال: أراد بذلك أن جعله علماً يعرف به حزب الله عند الفرقة([156]).

وهذا الحسين رضي الله عنه يقول لجيش الشام: أتعلمون أن علياً ولي كل مؤمن ومؤمنة؟ قالوا: نعم([157]).

فهل فهموا من ذلك ما فهمه القوم، حتى بايعوا غيره، وقاتلوا ابنه رضي الله عنهما؟! وهكذا..

فأنت ترى أن القوم قد أوردوا في مصنفاتهم ما يفيد عدم فهم الناس لحديث غدير خم على أنها الخلافة العامة للمؤمنين كما يدعون، وإليك المزيد من هذه الروايات:

عن أبي إسحاق قال: قلت لعلي بن الحسين: ما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: من كنت مولاه فعلي مولاه... الرواية([158])؟

وعن أبان بن تغلب قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي عن قول النبي صلى الله عليه وسلم: من كنت مولاه فعلي مولاه؟ فقال: يا أبا سعيد، تسأل عن مثل هذا؟([159])

وعن أبي التيهان قال: أنا أشهد على النبي أنه أقام علياً، فقالت الأنصار: ما أقامه إلا للخلافة، وقال بعضهم: ما أقامه إلا ليعلم الناس أنه ولي من كان رسول الله مولاه([160]).

ويؤكد هذا رواية الصادق، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أنا أولى بكل مؤمن من نفسه، وعلي أولى به من بعدي، فقيل لي: ما معنى ذلك؟ قال: قول النبي صلى الله عليه وسلم: من ترك ديناً أو ضياعاً فَعَلَيَّ، وَمَن ترك مالاً فلورثته([161]).

فانظر هنا.. فرغم صراحة اللفظ إلا أنه لم يحمل على الخلافة العامة.. فتأمل!

وعن الصادق أيضاً قال: لما أقام رسول الله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب يوم غدير خم، أنزل الله تعالى على لسان جبرئيل، فقال له: يا محمد، إني منزل غداً ضحوة نجماً من السماء يغلب ضوؤه على ضوء الشمس، فأعلم أصحابك أنه من سقط ذلك النجم في داره فهو الخليفة من بعدك، فأعلمهم رسول الله، فجلسوا كلهم كل في منزلـه يتوقع أن يسقط النجم في منزلـه، فما لبثوا أن سقط النجم في منزل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وفاطمة([162]).

فكأن واضع هذه الرواية المضحكة يؤكد ما نحن بصدده من عدم فهم من حضر الغدير وقد عرفت عددهم، وعرفت معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: من كنت مولاه فعلي مولاه، من أنها تعني الخلافة بعده كما يزعم القوم، حتى انتظروا إلى يوم التاسع عشر من ذي الحجة ليروا على دار من سيسقط ذلك النجم، فيكون الخليفة بعد النبي صلى الله عليه وسلم.

والروايات في الباب كثيرة، وكلها تدل على خلاف مفهوم القوم ومقصودهم منها، وإليك المزيد:

عن سالم قال: قيل لعمر: نراك تصنع بعلي شيئاً لا تصنعه بأحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: إنه مولاي.

وعن الباقر قال: جاء أعرابيان إلى عمر يختصمان، فقال عمر: يا أبا الحسن، اقض بينهما. فقضى على أحدهما، فقال المقضي عليه: يا أمير المؤمنين، هذا يقضي بيننا؟ فوثب إليه عمر فأخذ بتلبيبه ولبّبه، ثم قال: ويحك ما تدري من هذا؟! هذا مولاي ومولى كل مؤمن، ومن لم يكن مولاه فليس بمؤمن([163]).

فاسأل نفسك: هل فهم من وثب إلى الأعرابي أنه وثب على حق من اشتكى منه الأعرابي؟

ولعل أبلغ من هذا كله ذكر ما كان من أهل البيت، وهل أنهم فهموا مما كان من شأن الغدير ما ادعاه القوم لهم؟

ذكر القوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي رضي الله عنه: أما ترضى أن تكون أخي وأكون أخاك وتكون وليي ووصيي ووارثي([164])؟

فهل يعني الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقول لعلي رضي الله عنه: وتكون أميراً أو خليفة علي؟

وعن الصادق قال: لما فتح رسول الله مكة قام على الصفا، فقال: يا بني هاشم، يا بني عبدالمطلب، إني رسول الله إليكم، وإني شفيق عليكم، لا تقولوا: إن محمداً منا، فوالله ما أوليائي منكم ولا من غيركم إلا المتقون([165]).

وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال الله ليلة الإسراء: اشهدوا يا ملائكتي وسكان سماواتي وأرضي وحملة عرشي أن علياً وليي ووليُّ رسولي ووليُّ المؤمنين بعد رسولي([166]).

وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لعلي: إنك وليي، ووليي ولي الله، وعدوك عدوي، وعدوي عدو الله.

وفي رواية: ووليك وليي، ووليي ولي الله([167]).

فماذا تفهم من هذه النصوص غير الموالاة التي هي المحبة.

وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: هبط عليّ جبرئيل، وقال: يا محمد، الله يقرئك السلام، ويقول لك: قد فرضت الصلاة ووضعتها عن المعتل والمجنون والصبي، وفرضت الصوم ووضعته عن المسافر، وفرضت الحج ووضعته عن المعتل، وفرضت الزكاة ووضعتها عن المعدم، وفرضت حب علي بن أبي طالب وفرضت محبته على أهل السماء والأرض، فلم أعط أحداً رخصة([168]).

وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أهل الكساء: من والاهم فقد والاني، ومن عاداهم فقد عاداني([169]).

وعن رباح بن الحارث قال: جاء رهط إلى أمير المؤمنين، فقالوا: السلام عليك يا مولانا، فقال: كيف أكون مولاكم وأنتم قوم عرب؟ فقالوا: سمعنا رسول الله يقول يوم غدير خم: من كنت مولاه فعلي مولاه، وكان فيهم نفر من الأنصار، منهم: أبو أيوب الأنصاري صاحب رسول الله([170]).

وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لزيد رضي الله عنه: أنت أخونا ومولانا([171]).

فهذه الروايات التي سردناها سرداً دون تعليق وغيرها كثير، تدل بوضوح على معنى الموالاة، بخلاف ما يدعيه القوم.

ولعل في ذكرنا للرواية الآتية كخاتمة لما أسلفناه أبلغ التدليل على مقصودنا، ففيها غنىً عن كل ما مر.

تقول الرواية: إن هارون الرشيد سأل الكاظم: إنكم تقولون: إن جميع المسلمين عبيدنا وجوارينا، وإنكم تقولون: من يكون لنا عليه حق ولا يوصله إلينا فليس بمسلم. فكان مما رد عليه الكاظم: إن الذين زعموا ذلك فقد كذبوا، ولكن ندعي أن ولاء جميع الخلائق لنا -يعني: ولاء الدين- وهؤلاء الجهال يظنونه ولاء الملك، حملوا دعواهم على ذلك، ونحن ندعي ذلك لقول النبي يوم غدير خم: من كنت مولاه فعلي مولاه، وما كان يطلب بذلك إلا ولاء الدين([172]).

وقد ذكر القوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي: سألت الله عز وجل أن يجعلك ولي كل مؤمن ومؤمنة ففعل([173]).

فتدبر قولـه: [ففعل]. فتحصل لديك من كل ما مر بك الاضطراب الشديد في فهم مقصود الموالاة، مما يتنافى مع القول بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم -وهو يريد بيان أعظم ركن من أركان الإسلام بزعم القوم، وفي هذا الحشد- قد استخدم كلاماً مبهماً لبس على الناس أمرهم، وهو الذي أوتي جوامع الكلم، والقائل: أنا أفصح العرب.

ويبدو أن القوم قد تفطنوا لهذا، أعني: عدم صراحة نص الغدير على مقصود الإمامة والخلافة، فوضعوا عشرات الروايات وكلها تدل دلالة واضحة على المقصود، وكأنهم بذلك أرادوا القول بأن هكذا كان على النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول، لا كما قال.

ومن هذه الروايات: زعمهم أنه صلى الله عليه وسلم قال في علي رضي الله عنه: هو إمام المسلمين ومولى المؤمنين وأميرهم بعدي([174]).

وفي رواية: علي إمام كل مؤمن بعدي([175]).

وفي أخرى: أنت الإمام بعدي والأمير([176]).

وفي أخرى: أمير كل مسلم وأمير كل مؤمن بعدي([177]).

إلى غيرها من الألفاظ التي تفيد أنه رضي الله عنه خليفة بعده صلى الله عليه وسلم ([178]).

بل ظنوا أنهم جعلوا رواية الغدير أكثر وضوحاً عندما جعلوها هكذا: من كنت وليه فعلي وليه، ومن كنت إمامه فعلي إمامه، ومن كنت أميره فعلي أميره([179]).

وعن ابن نباتة قال: خرج علينا أمير المؤمنين ذات يوم ويده في يد ولده الحسن، وهو يقول: خرج علينا رسول الله ذات يوم ويدي في يده هكذا، وهو يقول: خير الخلق بعدي وسيدهم أخي هذا، وهو إمام كل مسلم وأمير كل مؤمن بعد وفاتي، ألا وإني أقول: إن خير الخلق بعدي وسيدهم ابني هذا، وهو إمام كل مسلم وأمير كل مؤمن بعد وفاتي([180]).

فانظر وضوح اللفظ في هذا المحضر قليل العدد، وغموضه يوم الغدير رغم العدد الذي حضره، وكذلك جهل الحسن رضي الله عنه والناس بإمامته لولا بيان الأمير رضي الله عنه لذلك.

بيان عدم فهم علي رضي الله عنه من حديث الغدير أن الموالاة فيها تعني الخلافة العامة:

مدح الأمير للشيخين رضي الله عنهم أجمعين:

ثم إن علياً رضي الله عنه لم يفهم من رواية الغدير ولا غير الغدير أن ولايته واجبة وخلافها كفر وبطلان وهو يقول:

أما بعد: فإن الله سبحانه بعث محمداً، فأنقذ به من الضلالة، ونعش به من الهلكة، وجمع به بعد الفرقة، ثم قبضه الله إليه وقد أدى ما عليه، فاستخلف الناس أبا بكر، ثم استخلف أبو بكر عمر، فأحسنا السيرة وعدلا في الأمة، وقد وجدنا عليهما أن توليا الأمر دوننا ونحن آل رسول الله وأحق بالأمر، فغفرنا ذلك لهما([181]).

وفي موطن آخر قال: ثم إن المسلمين من بعده استخلفوا أميرين منهم صالحين أحييا السيرة ولم يعدوا السنة([182]).

وقال فيهما: فتولى أبو بكر تلك الأمور، وسدد وقارب واقتصد، وتولى عمر الأمر، فكان مرضي السيرة، ميمون النقيبة([183]).
 

إقرار الأمير رضي الله عنه بعدم إحداث من سبقوه في الدين:

لم يفهم الأمير رضي الله عنه من رواية الغدير ولا غير الغدير أن ولاية من سبقوه إحداث في الدين، وهو يتذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم وإخباره له بما يلقى بعده، فقال: فعلام أقاتلهم؟ قال: على الإحداث في الدين([184]).

فهل قاتل الأمير أبا بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم أجمعين، أم التزم التقية خوفاً كما يزعم الشيعة، وهو القائل: والله لو تظاهرت العرب على قتالي لما وليت عنها، أم قال عن ولايتهم كما روى القوم: فلم أر بحمد الله إلا خيرا([185])؟

هل فهم رضي الله عنه من رواية الغدير وغير الغدير ما فهمه القوم وهو يقول: اللهم إنك تعلم أنه لم يكن الذي كان منا منافسة في سلطان، ولا التماس شيء من فضول الحطام، ولكن لنرد المعالم من دينك، ونظهر الإصلاح في بلادك، فيأمن المظلومون من عبادك، وتقام المعطلة من حدودك..

إلى أن قال: وقد علمتم أنه لا ينبغي أن يكون الوالي على الفروج والدماء والمغانم والأحكام وإمامة المسلمين البخيل، فتكون في أموالهم نهمته، ولا الجاهل فيضلهم بجهله، ولا الجافي فيقطعهم بجفائه، ولا الحائف للدول فيتخذ قوماً دون قوم، ولا المرتشي في الحكم فيذهب بالحقوق ويقف بها دون المقاطع، ولا المعطل للسنة فيهلك الأمة([186]).

يقول هذا عندما اضطربت الأمور في عهده، ولم يقله في الشيخين أو ذي النورين رضي الله عنهم، إنما قال فيهما ما قال من حسن السيرة، والعدل في الأمة، والخير الذي رآه في ولايتهم.

ويذكرني هذا بروايتهم عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه الذي يروي فيه الرضا، عن آبائه، عن علي رضي الله عنهم، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال فيه: أبوذر صديق هذه الأمة([187])، وهو يقول لعثمان رضي الله عنه: اتبع سنة صاحبيك، لا يكن لأحدٍ عليك كلام([188]).

وفي رواية: ويحك يا عثمان! أما رأيت رسول الله ورأيت أبا بكر وعمر، هل هديك كهديهم؟([189]).

وقول ابن عباس رضي الله عنهما: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أبرأ من خمسة: من الناكثين وهم أصحاب الجمل، ومن القاسطين وهم أصحاب الشام، ومن الخوارج وهم أهل النهروان، ومن القدرية وهم الذين ضاهوا النصارى في دينهم، فقالوا: لا قدر، ومن المرجئة الذين ضاهوا اليهود في دينهم، فقالوا: الله أعلم([190]).

فهل أمره النبي صلى الله عليه وسلم بالتبري من أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، وهم الذين اغتصبوا حق الأمير وأتوا بأعظم من أفعال هؤلاء الخمسة الذين أمر بالتبري منهم بزعم القوم.

أبداً: لم يفهم علي رضي الله عنه أن خلافة الشيخين خلاف هدي النبي صلى الله عليه وسلم، أو أن فلاناً دون آخر أحق بالخلافة من غيره.

كراهة الأمير رضي الله عنه للخلافة ورغبته في مبايعة غيره:

لم يفهم رضي الله عنه لا من الغدير ولا غير الغدير أنه أحق بالخلافة، وهو لا يزال يردد القول بكراهيته لها، وهو يعلم يقيناً قول الله تعالى: ((وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ)) [الأحزاب:36].

وقولـه: ((وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)) [القصص:68].

وقولـه: ((وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ)) [الزخرف:31].

ألم يعلم رضي الله عنه أن الإمامة كالنبوة لا تكون إلا بالنص من الله عز وجل على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وأنها مثلها لطف من الله عز وجل، ولا يجوز أن يخلو عصر من العصور من إمام مفروض الطاعة منصوب من الله تعالى، وليس للبشر حق اختيار الإمام وتعيينه، بل وليس للإمام نفسه حق تعيين من يأتي من بعده، وأن الإمامة عهد من الله عز وجل معهود لرجل مسمى ليس للإمام أن يرويها عمن يكون من بعده، وأن بها أخذ الله المواثيق من الأنبياء عند بعثهم، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال له بزعمهم: يا علي، ما بعث الله نبياً إلا وقد دعاه إلى ولايتك طائعاً أو كارهاً، والقائل: لم يبعث الله نبياً ولا رسولاً إلا وأخذ عليه الميثاق لمحمد بالنبوة ولعلي بالإمامة، والقائل صلى الله عليه وسلم: التاركون ولاية علي خارجون عن الإسلام، والجاحد لولاية علي كعابد وثن، وقولـه هو رضي الله عنه بزعمهم: لو أن عبداً عبد الله ألف سنة لايقبل الله منه حتى يعرف ولايتنا أهل البيت، ولو أن عبداً عبد الله ألف سنة وجاء بعمل اثنين وسبعين نبياً مايقبل الله منه حتى يعرف ولايتنا أهل البيت وإلا أكبه الله على منخريه في نار جهنم، وغيرها من مئات بل وألوف الآيات والأحاديث التي ذكرنا منها القليل في مقدمة الباب الأول.

ألم يفهم من كل هذا أنه خليفة للمسلمين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن ذلك واجب المعرفة، وأنه لا يعذر الناس بترك الولاية، وأن من مات ولا يعرف إمامه أو شك فيه مات ميتَةَ جاهليةٍ وكفرٍ ونفاقٍ، وأن من أنكر واحداً منهم فقد أنكر الجميع، حتى حكى المفيد إجماع الإمامية على أن من أنكر إمامة أحد من الأئمة وجحد ما أوجبه الله تعالى له من فرض الطاعة فهو كافر ضال مستحق للخلود في النار؟!

ألم يعلم كل هذا وهو يقول لمن جاءه مبايعاً: ألا وإن الله عالم من فوق سمائه وعرشه أني كنت كارهاً للولاية على أمة محمد حتى اجتمع رأيكم على ذلك؛ لأني سمعت رسول الله يقول: أيما والٍ ولي الأمر من بعدي أقيم على حد الصراط ونشرت الملائكة صحيفته، فإن كان عادلاً أنجاه الله بعدله، وإن كان جائراً انتقض به الصراط حتى تتزايل مفاصله، ثم يهوي إلى النار فيكون أول ما يتقيها به أنفه وحر وجهه، ولكن لما اجتمع رأيكم لم يسعني ترككم([191])؟!

هل تفهم -عزيزي القارئ- من هذه الرواية أن هناك نصاً على من يأتي بعده صلى الله عليه وسلم، أو أن هناك شروطاً يجب أن تتوفر فيه فحسب؟ وهل من جاء بعده سينجيه بعدله، كما قال رضي الله عنه: (فاستخلف الناس أبا بكر، ثم استخلف أبو بكر عمر، فأحسنا السيرة، وعدلا في الأمة) أم سينتقض بهم الصراط لجورهم، كما يرى من يدعي أنه من شيعته رضي الله عنه؟

ألم يعلم أنه الخليفة الحق والمنصوب من الله عز وجل وغيره غاصب لهذا الحق، وهو يقول لطلحة والزبير: نشدتكما الله هل جئتماني طائعين للبيعة ودعوتماني إليها وأنا كاره لها وفي موضع آخر: فوالله ما كانت لي في الولاية رغبة ولكنكم دعوتموني إليها وحملتموني عليها، فخفت أن أردكم فتختلف الأمة([192])؟!

ألم يعلم كل هذا، وهو يقول للمهاجرين والأنصار وقد جاءوا لبيعته: لا حاجة لي في أمركم أنا بمن اخترتم راض([193])؟!

فهل فاته أن الإمامة كالنبوة لا تكون إلا بالنص من الله عز وجل على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وليس للبشر حق اختيار الإمام وتعيينه؟!

هل رأى ذلك وهو يقول في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما كما يروى: أخذا حقي وقد تركته لهما تجاوز الله عنهما([194])؟!

ويقول لطلحة لما برز الناس للبيعة عند بيت المال: ابسط يدك للبيعة، فقال له طلحة: أنت أحق بذلك مني، وقد استجمع لك الناس ولم يجتمعوا لي([195]).

فهل كان له الاختيار والأمر في أن يبايع هذا أو يتركه لذاك، أو أن ذلك إلى الله وليس للبشر حق الاختيار، وأن طلحة وقبله الشيخين رضي الله عنهم سيكونون بذلك أئمة ليسوا من الله؟!

ألم يفهم رضي الله عنه ما فهمه مَن يرون أنهم من شيعته أن كل ما مر بك من نصوص الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم إنما هي في إمامته دون غيره؟!

وهل يرى القوم أن الأمير نسي تحذيره وكذا بقية الأئمة لشيعتهم بزعمهم بأن لا ينصبوا رجلاً دون الحجة([196])؟!

ألم يعلم رضي الله عنه أنه منصوص من الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: أتيتموني لتبايعوني، فقلت: لا حاجة في ذلك، ودخلت منزلي فاستخرجتموني، فقبضت يدي فبسطتموها وتداككتم علي حتى ظننت أنكم قاتلي، وأن بعضكم قاتل بعض، فبايعتموني وأنا غير مسرور بذلك ولا جذل، وقد علم الله سبحانه أني كنت كارهاً للحكومة بين أمة محمد([197])؟!

ألم يعلم كل ذلك وهو يقول لما أراده الناس على البيعة بعد قتل عثمان رضي الله عنه: دعوني والتمسوا غيري، فإنا مستقبلون أمراً له وجوه وألوان، لا تقوم له القلوب ولا تثبت عليه العقول، وإن الآفاق قد أغامت والمحجة قد تنكرت، واعلموا أني إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم، ولم أصغ إلى قول القائل وعتب العاتب، وإن تركتموني فأنا كأحدكم، ولعلي أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم، وأنا لكم وزيراً خير لكم مني أميراً([198])؟!

فهل رأى رضي الله عنه أن اختياره أو اختيار الصحابة خير من اختيار الله عز وجل، وهو يقرأ: ((وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ)) [القصص:68]؟!

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بزعمهم: إن الله خلق آدم من طين كيف يشاء، ثم قال: ويختار، إن الله اختارني وأهل بيتي على جميع الخلق فانتجبنا، فجعلني الرسول وجعل علي بن أبي طالب الوصي، ثم قال: ما كان لهم الخيرة، يعني: ما جعلت للعباد أن يختاروا ولكن أختار من أشاء([199]).

فهل رأى ذلك؟ وهل هذا إلا كمن يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال لهذا أو ذاك: ابسط يدك للنبوة؟!

ألم يقبل رضي الله عنه ويطع مشيئة الله في جعله خليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يزعم القوم بهذه الرواية من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في ليلة الإسراء: فتح لعلي أبواب السماء والحجب حتى نظر إلي ونظرت إليه، ثم قال: إن أول ما كلمني به أن قال: يا محمد، انظر تحتك فنظرت إلى الحجب قد انخرقت، وإلى أبواب السماء قد فتحت، ونظرت إلى علي وهو رافع رأسه إلي، فكلمني وكلمته، وكلمني ربي عز وجل: يا محمد، إني جعلت علياً وصيك ووزيرك وخليفتك من بعدك، فأعلمه فهو يسمع كلامك، فأعلمته وأنا بين يدي ربي عز وجل، فقال لي: قد قبلت وأطعت، فأمر الملائكة أن تسلم عليه ففعلت، فرد السلام... إلى آخر الرواية([200])؟!

فهل علم رضي الله عنه هذا وهو يقول: والله ما كانت لي في الخلافة رغبة، ولا في الولاية إربة، ولكنكم دعوتموني إليها وحملتموني عليها فكرهت خلافكم([201])؟!

هل كان يرى مخالفة الله الذي اختاره من دون الناس من فوق سبع سموات، هل كان يرى مخالفته جائزة، وطاعة البشر واجبة؟!

هل علم هذا عندما قال: وبسطتم يدي فكففتها، ومددتموها فقبضتها، ثم تداككتم علي تداكك الإبل الهيم على حياضها يوم وردها، حتى انقطعت النعل، وسقط الرداء، ووطيء الضعيف.. إلى آخر ماقاله رضي الله عنه واصفاً بيعته بالخلافة([202])؟!

هل علم هذا وهو يقول: إني لم أرد الناس حتى أرادوني، ولم أبايعهم حتى أكرهوني([203]).

وقال: فلما رأيت ذلك منكم رويت في أمري وأمركم، وقلت: إن أنا لم أجبهم إلى القيام بأمرهم لم يصيبوا أحداً يقوم فيهم مقامي ويعدل فيهم عدلي([204])؟!

هل وهل.. وهو لا يزال يردد ويقول بكراهته لأمر لولاه لما خلق الله شيئاً، حتى قال لابن عباس رضي الله عنه وقد رآه يخصف نعله: ما قيمة هذه النعل؟ فقال: لا قيمة لها، فقال: والله لهي أحب إلي من إمرتكم([205]).
 

إقرار الأمير رضي الله عنه بمبدأ الشورى:

أبداً لم يكن رضي الله عنه يرى أن مشروعية خلافته مستمدة من تلك النصوص التي زعمها القوم له، وقد علمت حالها جميعاً، وأنه لو كان من ذلك شيء حق لقاتل عليها حتى لو تظاهرت العرب كلها عليه، بل كان يرى أن شرعية خلافته إنما هي مستمدة من مبدأ الشورى الذي أقره القرآن وأكده الرسول صلى الله عليه وسلم بهديه وسنته.

كيف لا وهو القائل رضي الله عنه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من جاءكم يريد أن يفرق الجماعة، ويغصب الأمة أمرها، ويتولى من غير مشورة فاقتلوه، فإن الله عز وجل قد أذن ذلك([206]).

ويقول لمعاوية: إن الناس تبع المهاجرين والأنصار وهم شهود للمسلمين في البلاد على ولاتهم وأمراء دينهم، فرضوا بي وبايعوني، ولست أستحل أن أدع ضرب معاوية يحكم على هذه الأمة ويركبهم ويشق عصاهم.

فلما بلغ معاوية ذلك قال: ليس كما يقول، فما بال من هو ههنا من المهاجرين والأنصار لم يدخلوا في هذا الأمر؟ فقال رضي الله عنه: ويْحَكُم! هذا للبدريين دون الصحابة، وليس في الأرض بدري إلا وقد بايعني وهو معي، أو قد أقام ورضي، فلا يغرنكم معاوية من أنفسكم ودينكم([207]).

وقال لمعاوية في موطنٍ آخر: إن بيعتي لزمتك بالمدينة وأنت بالشام؛ لأنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار، ولا للغائب أن يرد، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار؛ فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماماً كان ذلك لله رضاً، فإن خرج عن أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردوه إلى ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين، وولاه الله ما تولى ويصليه جهنم وساءت مصيراً([208]).

فهو يرى إجماع المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم على رجل هو رضاً لله.

بل ولا يرى بيعته دون رضاهم كما قال: إن بيعتي لا تكون إلا عن رضا المسلمين وفي ملأ وجماعة([209]).

وهو القائل رضي الله عنه: وما كان الله ليجعلهم على ضلال ولا يضربهم بعمى([210]).

وقال له في موطن آخر: إن بيعتي بالمدينة لزمتك وأنت بالشام كما لزمتك بيعة عثمان بالمدينة وأنت أمير لعمر على الشام، وكما لزمت يزيد أخاك بيعة عمر بالمدينة وهو أمير لأبي بكر على الشام.

أما قولك: إن بيعتي لم تصح لأن أهل الشام لم يدخلوا فيها، فإنما هي بيعة واحدة تلزم الحاضر والغائب لا يستثنى فيها النظر، ولا يستأنف فيها الخيار، والخارج منها طاعن، والمروي فيها مداهن([211]).

وكان يقول له: واعلم أنك من أبناء الطلقاء الذين لا تحل لهم الخلافة ولا يعرض فيهم الشورى([212]).

وكذلك قال ابنه الحسن لمعاوية في كتاب الصلح الذي استقر بينهما: هذا ما صالح عليه الحسن بن علي بن أبي طالب معاوية بن أبي سفيان: صالحه على أن يسلم إليه ولاية أمر المسلمين، على أن يعمل فيهم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وسيرة الخلفاء الراشدين، وليس لمعاوية بن أبي سفيان أن يعهد إلى أحد من بعده عهداً، بل يكون الأمر من بعده شورى بين المسلمين([213]).

فهل ترى بعد كل هذا أن الأمير أو ابنه رضي الله عنهما يرون رأي من زعموا أنهم من شيعتهم من أن الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم قد نصا عليهما رضي الله عنهما، أو أنهم يقررون مبدأ الشورى وبه يستمدون شرعية إمامتهم للمؤمنين دون أن يتطرقوا إلى ذكر أي نص من تلك النصوص التي زعمها القوم لهم، وهم في تلك الحال من الخلاف، وفي موطن هم بأمس الحاجة فيه إلى ذكر نص من تلك النصوص لو وجدت، ليرد به على معاوية الذي احتج عليه بعدم اجتماع أهل الشام عليه؟

فهل قال له علي رضي الله عنه مثلاً: ليس لاختيار أهل الشام أو بيعتهم شأن أو قيمة، ما دام الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم قد نصا على إمامتي؟ أو أنه رضي الله عنه دلل على بيعته باجتماع أهل المدينة عليه، حتى لم ير شرعية لخلافته إلا بقياس ذلك على بيعة الصديق، والفاروق، وذي النورين رضي الله عنهم أجمعين، وأن بيعتهم كانت لله رضاً، وأنهم كانوا خلفاء راشدين، يستحقون أن يدعوا من جاء بعدهم بالاقتداء بهم، لا أنهم مغتصبون لحق غيرهم.

ولم ير خلاف ذلك وهو يؤكد شرعيتهم، ويعلم يقيناً باعتبار معتقد القوم أن الإمامة لا تكون بالاختيار أو الشورى إنما بنص من الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومن جاء من غير هذا الطريق فهو كافر ومن يتولاه فهو مثله، وأن من ترك ولايته خارج عن الإسلام كما نسبوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما مرَّ بك، ووضعوا في ذلك العشرات من الروايات وجعلوا لها أبواباً، مثل: باب: أنه لا تقبل الأعمال إلا بالولاية، وباب: كفر المخالفين والنصّاب، وغيرها.

فهل يرى القوم أنه رضي الله عنه ترك حقه وهو يعلم أن تركه ذلك خروج عن الإسلام وإحباط للأعمال والطاعات كما يزعمون، وهو يتولى من سبقه ويؤكد شرعية إمامتهم؛ بل ويستمد شرعية إمامته من إمامتهم، ويرى أن ذلك كان لله رضاً، وأنهما قد أحسنا السيرة وعدلا في الأمة، وأنه كان يرى الخيرية في وزارته لهم دون إمامته، ويدعو إلى بيعة غيره، ويؤكد لهم التزامه لمن اختاروه بأنه سيكون أطوعهم له كما قال؟

فلم ير رضي الله عنه باعتبار معتقد القوم أن الخير فيما اختاره الله عز وجل، بل رأى خلاف ذلك، فرأى أن كونه وزيراً خير من اختيار الله عز وجل له بأن يكون أميراً.

هكذا يريد منا القوم أن نقول، وهكذا يريد لنا القوم أن نعتقد فيه رضي الله عنه.

بل ويرى أن اختيار ذلك إلى البشر خير من تولية إمام منصوب من الله، ويحث الناس على طاعة من اختاروه، ويتقدمهم في ذلك، وهو يعلم باعتبار القوم أن ذلك خلاف إرادة الله عز وجل، وأن الله عز وجل قد نصَّ على إمامته قبل خلق كل شيء بملايين السنين، وأنه علة خلق كل شيء.

ويرينا القوم أنه ضرب بعرض الحائط كل هذا، وترك كل تلك النصوص التي زعمها القوم له منذ بدء العشيرة، مروراً بـ: إنما وليكم الله، وإنما يريد الله، وعشرات غيرها، بل ومئات، وانتهاء بحادثة الغدير، ليرى تنصيب غيره، وترك ما أمر به الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم، ويطلب بذلك رضا الناس بسخط الله عز وجل.

وكأنه نسي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: من طلب رضى الناس بسخط الله جعل الله حامده من الناس ذاماً([214]).

وقولـه: لا دين لمن دان بطاعة من عصى الله([215]).

وهو يرى أن من تولى على المسلمين دونه غير عاص لله، كيف وهو يدعو إلى طاعته، ويرى أن ذلك لله رضاً.

وكأنه نسيَ قوله صلى الله عليه وسلم: من أرضى سلطاناً جائراً بسخط الله خرج من دين الله([216]).

بل قوله هو رضي الله عنه: لا دين لمن دان بطاعة المخلوق في معصية الخالق([217])، وغيرها.

فضلاً عن عشرات الروايات الأخرى في عقاب من ادعى الإمامة بغير حق أو أطاع إماماً جائراً، كقولـهم عن الصادق: ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: من ادعى إمامة من الله ليست له، ومن جحد إماماً من الله، ومن زعم أن لهما -أي: أبا بكر وعمر رضي الله عنهما- في الإسلام نصيب.

وقولـه في قولـه تعالى: ((وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ)) [الزمر:60]، قال: من ادعى أنه إمام وليس بإمام، وإن كان علوياً فاطمياً.

وقولـه: من ادعى الإمامة وليس من أهلها فهو كافر.

وقولـه: إن هذا الأمر لا يدعيه غير صاحبه إلا بتر الله عمره.

وقولـه: من خرج يدعو الناس وفيهم من هو أفضل منه فهو ضال مبتدع.

وقول الباقر: من ادعى مقامنا -يعني: الإمامة- فهو كافر. وغيرها وهي كثيرة([218]).

بهذا تكون أقوال الأمير رضي الله عنه السابقة قد أسقطت كل ما أوردناه من أول الكتاب من أحاديث وروايات منسوبة إلى الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم والصحابة والأئمة رضي الله عنهم أجمعين.

وأكد إقراره رضي الله عنه بمنهج القرآن الكريم: ((وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ)) [آل عمران:159].

و: ((وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ)) [الشورى:38].

لذا فلا عجب من أن يردد رضي الله عنه: إنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماماً كان ذلك لله رضاً.

ولا عجب من أن يقول لمعاوية في المهاجرين والأنصار: وما كان الله ليجعلهم -وفي لفظ: ليجمعهم- على ضلالة ولا يضربهم بالعمى([219]).

ويقول للخوارج وقد خطئوه وضللوه: فإن أبيتم إلا أن تزعموا أني أخطأت وضللت فلم تضللون عامة أمة محمد صلى الله عليه وسلم بضلالي([220])؟

كيف لا وهو رضي الله عنه قد سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تجتمع أمتي على ضلالة([221]).

([122]) تفسير فرات: (1/131)، البحار: (16/257)(22/249).

([123]) جوامع الجامع: (1/355)، مجمع البيان: (3/231)، التفسير الكاشف: (3/5)، تفسير الصافي: (2/5)، البرهان: (1/340)، تفسير الميزان: (5/156).

([124]) الكافي: (1/199، 290)، نور الثقلين: (1/588، 589، 651)، البحار: (7/236)(36/133) (37/138، 173)(58/368)، فرات: (1/119، 120)، العياشي: (1/322)، البرهان: (1/435 = = 444)، التفسير الكاشف: (3/5، 13)، الميزان: (5/170، 195، 197)، مجمع البيان: (2/231).

([125]) الميزان: (5/196).

([126]) الكافي: (1/290)، نور الثقلين: (1/588، 651)، البحار: (58/368)، البرهان: (1/488)، الصافي: (1/52)، إثبات الهداة: (1/443).

([127]) البحار: (58/371).

([128]) الغدير: (1/9)، إثبات الوصية: (19)، إثبات الهداة: (2/139).

([129]) تفسير العياشي: (1/358، 361)، البحار: (37/139، 140، 158، 165، 193)، جامع الأخبار: (10)، البرهان: (1/485، 489)، إثبات الهداة: (2/139، 170)(3/544)، تفسير فرات: (2/516)، المناقب: (3/26).

([130]) العياشي: (2/342)، البرهان: (2/454)، البحار: (36/106، 171)، نور الثقلين: (3/235).

([131]) بشارة المصطفى: (182)، البحار: (39/152، 276، 284).

([132]) أمالي الطوسي: (20)، تفسير فرات: (1/301)، البحار: (18/191)(38/223).

([133]) العياشي: (1/220)، البرهان: (1/314)، البحار: (17/11، 12)(25/337)، إثبات الهداة: (3/531)، الصافي: (1/296).

([134]) تفسير العياشي: (2/103)، البرهان: (2/135)، إثبات الهداة: (3/546).

([135]) البحار: (35/282)(37/127، 140، 151، 170)، فرات: (1/131)(2/450)، العياشي: (1/361)(2/103)، البرهان: (1/489)(2/145)، إثبات الهداة: (2/164) (3/544، 546).

([136]) البحار: (98/304)، الإقبال: (476).

([137]) البحار: (38/54)(63/100)، الروضة: (41)، البصائر: (28).

([138]) تفسير القمي: (1/23)، البرهان: (1/34).

([139]) كشف الغمة: (1/326)، البرهان: (1/491)، البحار: (37/178).

([140]) البحار: (35/58).

([141]) للمزيد انظر: الصافي: (2/51)، نور الثقلين: (1/653)، الاحتجاج: (57)، البحار: (37/137، 201)، فصل الخطاب: (281)، محجة العلماء: (130).

([142]) الإرشاد: (89)، إعلام الورى: (137)، الكافي: (2/233)، أمالي الطوسي: (252)، البحار: (21/373، 383، 384، 389، 391، 396).

([143]) إعلام الورى: (137)، البحار: (21/360).

([144]) البحار: (21/362)(38/101) (40/316) (104/389، 400)، أمالي الصدوق: (348)، الكافي: (7/372).

([145]) الإرشاد: (89)، إعلام الورى: (138)، البحار: (21/383)، المناقب: (2/110).

([146]) البحار: (37/320)(38/149).

([147]) البحار: (37/220).

([148]) البحار: (37/187)، الطرائف: (35)، العمدة: (45).

([149]) أمالي الطوسي: (610)، البحار: (33/218)(38/130).

([150]) الروضة: (11)، البحار: (37/186)(38/344).

([151]) العياشي: (1/356)، البرهان: (1/482)، البحار: (35/187).

([152]) بشارة المصطفى: (202)، البحار: (38/354).

([153]) ولعل ما يؤيد ذلك رواية القوم عن الباقر أنه قال: حج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة وقد بلّغ جميع الشرايع قومه ما خلا الحج والولاية، البرهان: (1/436)، البحار: (37/201)، الاحتجاج: (33).

([154]) معاني الأخبار: (67)، البحار: (37/225).

([155]) الغدير: (1/362)، البحار: (37/225، 237)، معاني الأخبار: (67).

([156]) كشف الغمة: (3/303)، البحار: (37/223)(50/290)، إثبات الهداة: (2/139).

([157]) أمالي الصدوق: (135)، البحار: (44/318).

([158]) أمالي الصدوق: (107)، معاني الأخبار: (65)، البحار: (37/223)، إثبات الهداة: (2/34).

([159]) معاني الأخبار: (66)، البحار: (37/223).

([160]) الخصال: (465)، البحار: (28/213).

([161]) الكافي: (1/407)، البحار: (27/248)، نور الثقلين: (4/240، 237).

([162]) فرات: (2/452)، البحار: (35/283).

([163]) البحار: (40/124).

([164]) أمالي الطوسي: (211)، البحار: (37/14).

([165]) صفات الشيعة: (4)، البحار: (21/111).

([166]) البحار: (23/282)، تفسير فرات: (1/342).

([167]) الخصال: (2/50، 15)، أمالي الشيخ: (310)، سليم بن قيس: (153)، البحار: (39/337، 339، 352).

([168]) الروضة: (27)، الفضائل: (155)، المحتضر: (101)، البحار: (27/129)(40/47)(54/387).

([169]) أمالي الصدوق: (283)، البحار: (35/210).

([170]) العمدة: (46)، البحار: (37/148، 177).

([171]) البحار: (20/373)(37/307).

([172]) فرج المهموم: (107)، البحار: (48/147).

([173]) الاحتجاج: (84)، البحار: (40/2).

([174]) أمالي الصدوق: (347)، البحار: (38/107).

([175]) معاني الأخبار: (66)، البحار: (38/121).

([176]) البحار: (38/146).

([177]) منتخب الأثر: (92).

([178]) للمزيد انظر: أمالي الصدوق: (12، 31، 99، 108، 222، 234، 288، 312، 523، 525)، إثبات الهداة: (1/526، 529، 533، 534، 573، 586، 587، 593، 607، 647، 656، 659) (2/40، 48، 49، 71، 80، 81، 99، 114، 117، 118، 119، 129، 130، 143، 147،175، 179)، نور الثقلين: (1/395)، أمالي الطوسي: (253، 438)، منتخب الأثر: (264)، البحار: (33/18)(38/326)، كفاية الأثر: (120)، الطرائف: (18).

([179]) معاني الأخبار: (66)، عيون الأخبار: (224)، البحار: (37/224)(38/112).

([180]) كمال الدين: (150)، البحار: (36/253).

([181]) البحار: (32/456)، وانظر أيضاً: البحار: (33/568-569).

([182]) البحار: (33/535).

([183]) البحار: (33/568).

([184]) أمالي الطوسي: (513)، البحار: (28/48)، إثبات الهداة: (1/300)، نور الثقلين: (5/69)، وانظر روايات أخرى في عدم إحداث أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم في الدين: البحار: (32/243، 297، 299، 303، 308).

([185]) المناقب: (1/323)، البحار: (28/67)(41/5).

([186]) نهج البلاغة: (241)، من كلام له يبين سبب طلبه الحكم ويصف الإمام الحق.

([187]) عيون الأخبار: (2/70)، البحار: (22/405).

([188]) البحار: (22/419).

([189]) البحار: (22/418).

([190]) الكشي: (38)، البحار: (42/152).

([191]) أمالي الطوسي: (736)، البحار: (32/17، 26).

([192]) أمالي الطوسي: (736)، البحار: (32/21، 50).

([193]) البحار: (32/31) نقلاً عن الكافية لإبطال توبة الخاطئة، للمفيد.

([194]) البحار: (61، 113).

([195]) البحار: (32/32) نقلاً عن الكافية لإبطال توبة الخاطئة.

([196]) الكافي: (2/297، 298)، معاني الأخبار: (169، 180)، البحار: (73/151، 153).

([197]) البحار: (32/63).

([198]) نهج البلاغة: (178)، من كلام له لما أراده الناس على البيعة بعد قتل عثمان رضي الله عنه، البحار: (32/8، 23، 35)(41/116)، المناقب: (2/110).

([199]) البحار: (36/167)، الطرائف: (24).

([200]) البحار: (16/318)(38/158)(39/159)، أمالي الطوسي: (64)، الروضة: (39)، الفضائل:(177)، الخصال: (141).

([201]) أمالي الطوسي: (740)، نهج البلاغة: (397)، البحار: (32/30، 50).

([202]) نهج البلاغة: (430)، البحار: (32/51)، وانظرأيضاً: البحار:(32/34، 78، 98)(33/569) = = المناقب: (2/375)، الإرشاد: (130)، الاحتجاج: (161).

([203]) المناقب: (2/37)، البحار: (32/120، 126، 135)، كشف الغمة: (1/238).

([204]) الإرشاد: (139)، البحار: (32/387).

([205]) البحار: (32/76، 113)، الإرشاد: (132).

([206]) عيون الأخبار: (2/67).

([207]) البحار: (32/450).

([208]) البحار: (32/368)(33/76)، وانظر أيضاً: نهج البلاغة: (446)، نور الثقلين: (1/551).

([209]) البحار: (32/23).

([210]) البحار: (32/380)(33/78)، شرح النهج للبحراني: (4/356)، نهج السعادة: (4/94).

([211]) البحار: (33/81، 82).

([212]) المناقب: (2/349)، البحار: (32/570)(33/78).

([213]) كشف الغمة: (2/145)، البحار: (44/65).

([214]) الكافي: (2/372)، الخصال: (1/5)، البحار: (73/391، 393)، وقال في بيانه: كالذين تركوا = = متابعة أئمة الحق لرضا أئمة الجور.

([215]) الكافي: (2/373)، أمالي الطوسي: (1/76)، البحار: (73/392، 393)، وقال في بيانه: أي: لا إيمان أو عبادة لمن دان -أي: عبدالله- بطاعة من عصى الله -أي: غير المعصوم- فإنه لا يجوز طاعة غير المعصوم.

([216]) الكافي: (2/373)، البحار: (73/393)، وقال في بيانه: يمكن حمله على من أرضى خلفاء الجور بإنكار أئمة الحق.

([217]) عيون الأخبار: (2/43)، صحيفة الرضا: (43)، البحار: (73/393).

([218]) انظرهذه الروايات في:البحار:(7/212)(8/363)(25/110-115)(72/138)،الكافي:(1/373)، العياشي: (1/178)، المناقب:(1/259)، غيبة النعماني:(70، 71، 72، 73)، ثواب الأعمال:(206).

([219]) سبق تخريجه.

([220]) البحار: (33/373).

([221]) الاحتجاج: (450)، إرشاد القلوب: (2/225)، البحار: (2/225) (5/20، 68) (16/350، 399) (44/36).