لقد نصَّ كبار علماء الشيعة الإمامية الأعلام على وقوع «السهو النسيان» للنبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة -عَليهِمُ السَّلام-طبقاً لما ورد في ذلك من أحاديث، وعلى رأس القائلين بذلك «الشيخ الصدوق»وأستاذه«محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد القمي»اللذَيْنِ وثَّقهما عامَّةُ العلماء ورجاليّو الشيعة الإمامية ومدحوهما وأثنوا عليهما كل الثناء.بل ذهب هذان العالمان إلى أن من ينفي السهو عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فهو من الغلاة
والشيخ الصدوق من وجوه الشيعة في خراسان، جليل القدر، حافظاً للحديث ناقداً للأخبار ولم يكن له بين علماء قم نظير في الحفظ وكثرة العلم!
وأما قول الشيخ «المفيد» أن حديث «سهو النبي» «روته الناصبة، والمقلدة من... ومن أخبار الآحاد التي لا تثمر علماً، ولا توجب عملاً..»
فجوابه أن الذين رووا روايات سهو النبي من رجال الشيعة هم:
1- سماعة بن مهران
2- الحسن بن صدقة
3- سعيد الأعرج
4- جميل بن دراج
5- أبو بصير
6- زيد الشحّام
7- أبو سعيد القمّاط
8- أبو بكر الحضرمي
9- الحارث (الحرث) بن المغيرة النصري
وكلهم من أجلة الرواة وثقاتهم، وبعضهم ممن أجمع العلماء على تصحيح ما اتصل صحيحاً عنهم وأقروا بفقههم!
و قد أورد «جميل» الذي كان من أفقه العلماء الستة
(جميل بن دراج، وعبد الله بن مَسكان، وعبد الله بن بكير، وحماد بن عيسى، وحماد بن عثمان وأبان بن عثمان.)
ومن أصحاب الإمام الصادق (ع)، نفسه في عداد بعض الرواة من أمثال
زيد الشحام وسماعة بن مهران،
لكون كلا الروايَين من أصحاب الإمام الباقر (ع) والإمام الصادق (ع) اللذين لا مَطْعَنَ بهما أصلاً.
فكيف اعتبرهم الشيخ «المفيد» من الناصبة، هذا وعدد أخبار السهو أكثر من عدد كثير من الأخبار التي اُدُّعِيَ فيها التواتر في الفقه!
إلى درجة أن الكُلَيْنِيَّ عقد لأحاديث السهو بابا خاصًا في كتاب «الكافي» تحت عنوان: (بَابُ مَنْ تَكَلَّمَ فِي صَلَاتِهِ أَوِ انْصَـرَفَ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّهَا أَوْ يَقُومُ فِي مَوْضِعِ الْجُلُوسِ).
الروايات المتعلقة بهذه المسألة]:
مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى عَنْ سَمَاعَةَ بْنِ مِهْرَانَ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ (ع): مَنْ حَفِظَ سَهْوَهُ فَأَتَمَّهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ سَجْدَتَا السَّهْوِ فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم صَلَّى بِالنَّاسِ الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَهَا فَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ ذُو الشِّمَالَيْنِ يَا رَسُولَ اللهِ أَ نَزَلَ فِي الصَّلَاةِ شَيْءٌ
فَقَالَ وَمَا ذَاكَ قَالَ إِنَّمَا صَلَّيْتَ رَكْعَتَيْنِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم أَ تَقُولُونَ مِثْلَ قَوْلِهِ قَالُوا نَعَمْ فَقَامَ صلى الله عليه وآله وسلم فَأَتَمَّ بِهِمُ الصَّلَاةَ وَسَجَدَ بِهِمْ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ قَالَ قُلْتُ أَ رَأَيْتَ مَنْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَظَنَّ أَنَّهُمَا أَرْبَعٌ فَسَلَّمَ وَانْصَـرَفَ ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ مَا ذَهَبَ أَنَّهُ إِنَّمَا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ
قَالَ يَسْتَقْبِلُ الصَّلَاةَ مِنْ أَوَّلِهَا قَالَ قُلْتُ فَمَا بَالُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم لَمْ يَسْتَقْبِلِ الصَّلَاةَ وَإِنَّمَا أَتَمَّ بِهِمْ مَا بَقِيَ مِنْ صَلَاتِهِ فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم لَمْ يَبْرَحْ مِنْ مَجْلِسِهِ فَإِنْ كَانَ لَمْ يَبْرَحْ مِنْ مَجْلِسِهِ فَلْيُتِمَّ مَا نَقَصَ مِنْ صَلَاتِهِ إِذَا كَانَ قَدْ حَفِظَ الرَّكْعَتَيْنِ الْأَوَّلَتَيْنِ.
عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْبَرْقِيِّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْعَبَّاسِ عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ صَدَقَةَ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ الْأَوَّلِ (ع) أَ سَلَّمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَوَّلَتَيْنِ فَقَالَ نَعَمْ قُلْتُ وَحَالُهُ حَالُهُ قَالَ إِنَّمَا أَرَادَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُفَقِّهَهُمْ.
مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ النُّعْمَانِ عَنْ سَعِيدٍ الْأَعْرَجِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (ع) يَقُولُ صَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم ثُمَّ سَلَّمَ فِي رَكْعَتَيْنِ فَسَأَلَهُ مَنْ خَلْفَهُ يَا رَسُولَ اللهِ أَ حَدَثَ فِي الصَّلَاةِ شَيْءٌ قَالَ وَمَا ذَلِكَ قَالُوا إِنَّمَا صَلَّيْتَ رَكْعَتَيْنِ
فَقَالَ أَ كَذَلِكَ يَا ذَا الْيَدَيْنِ وَكَانَ يُدْعَى ذَا الشِّمَالَيْنِ فَقَالَ نَعَمْ فَبَنَى عَلَى صَلَاتِهِ فَأَتَمَّ الصَّلَاةَ أَرْبَعاً وَقَالَ إِنَّ اللهَ هُوَ الَّذِي أَنْسَاهُ رَحْمَةً لِلْأُمَّةِ أَلَا تَرَى لَوْ أَنَّ رَجُلًا صَنَعَ هَذَا لَعُيِّرَ وَقِيلَ مَا تُقْبَلُ صَلَاتُكَ فَمَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ الْيَوْمَ ذَاكَ قَالَ قَدْ سَنَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم وَصَارَتْ أُسْوَةً وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ لِمَكَانِ الْكَلَامِ.
وَرَوَى الشيخ [أي الشيخ الطوسي في التهذيب] بإسناده عن الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ جَمِيلٍ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (ع) عَنْ رَجُلٍ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَامَ قَالَ يَسْتَقْبِلُ قُلْتُ فَمَا يَرْوِي النَّاسُ فَذَكَرَ لَهُ حَدِيثَ ذِي الشِّمَالَيْنِ فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم لَمْ يَبْرَحْ مِنْ مَكَانِهِ وَلَوْ بَرِحَ اسْتَقْبَل.
5- وعَنْهُ عَنْ فَضَالَةَ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ سَمَاعَةَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (ع) عَنْ رَجُلٍ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَامَ فَذَهَبَ فِي حَاجَتِهِ؟ قَالَ: يَسْتَقْبِلُ الصَّلَاةَ. فَقُلْتُ: مَا بَالُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم لَمْ يَسْتَقْبِلْ حِينَ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ؟
فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم لَمْ يَنْفَتِلْ مِنْ مَوْضِعِهِ.
6- وبإسناده [أي الشيخ الطوسي في «التهذيب»] عن أَحْمَدِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ عَنْ أَبِي جَمِيلَةَ عَنْ زَيْدٍ الشَّحَّامِ أَبِي أُسَامَةَ قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ صَلَّى الْعَصْرَ سِتَّ رَكَعَاتٍ أَوْ خَمْسَ رَكَعَاتٍ؟
قَالَ: إِنِ اسْتَيْقَنَ أَنَّهُ صَلَّى خَمْساً أَوْ سِتّاً فَلْيُعِدْ وَإِنْ كَانَ لَا يَدْرِي أَ زَادَ أَمْ نَقَصَ فَلْيُكَبِّرْ وَهُوَ جَالِسٌ ثُمَّ لْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ يَقْرَأُ فِيهِمَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ ثُمَّ يَتَشَهَّدُ وَإِنْ هُوَ اسْتَيْقَنَ أَنَّهُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثاً ثُمَّ انْصَرَفَ فَتَكَلَّمَ فَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ لَمْ يُتِمَّ الصَّلَاةَ قَائِماً عَلَيْهِ أَنْ يُتِمَّ الصَّلَاةَ مَا بَقِيَ مِنْهَا فَإِنَّ نَبِيَّ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم صَلَّى بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ نَسِيَ حَتَّى انْصَرَفَ
فَقَالَ لَهُ ذُو الشِّمَالَيْنِ يَا رَسُولَ اللهِ أَ حَدَثَ فِي الصَّلَاةِ شَيْءٌ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ أَصَدَقَ ذُو الشِّمَالَيْنِ؟؟ فَقَالُوا: نَعَمْ لَمْ تُصَلِّ إِلَّا رَكْعَتَيْنِ. فَقَامَ فَأَتَمَّ مَا بَقِيَ مِنْ صَلَاتِه.
7- وبإسناده [أي الشيخ الطوسي في «التهذيب»] عَنْ مُوسَى بْنِ عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ عَنِ ابْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْقَمَّاطِ قَالَ
سَمِعْتُ رَجُلًا يَسْأَلُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (ع) عَنْ رَجُلٍ وَجَدَ غَمْزاً فِي بَطْنِهِ أَوْ أَذًى أَوْ عَصْـراً مِنَ الْبَوْلِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ.... [إلى قوله] إِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ سَهَا فَانْصَرَفَ فِي رَكْعَةٍ أَوْ رَكْعَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ مِنَ الْمَكْتُوبَةِ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى صَلَاتِهِ ثُمَّ ذَكَرَ سَهْوَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم.
8- وبإسناده عن سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحُسَيْنِ عَنْ فَضَالَةَ عَنْ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْحَضْرَمِيِّ قَالَ
صَلَّيْتُ بِأَصْحَابِيَ الْمَغْرِبَ فَلَمَّا أَنْ صَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ سَلَّمْتُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّمَا صَلَّيْتَ رَكْعَتَيْنِ فَأَعَدْتُ فَأَخْبَرْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (ع)
فَقَالَ لَعَلَّكَ أَعَدْتَ فَقُلْتُ نَعَمْ فَضَحِكَ ثُمَّ قَالَ إِنَّمَا كَانَ يُجْزِيكَ أَنْ تَقُومَ وَتَرْكَعَ رَكْعَةً إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم سَهَا فَسَلَّمَ فِي رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ ذِي الشِّمَالَيْنِ فَقَالَ ثُمَّ قَامَ فَأَضَافَ إِلَيْهَا رَكْعَتَيْن.
9- وعنه أيضاً وَرَوَى سَعْدٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بَشِيرٍ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ الْمُغِيرَةِ النَّصْرِيِّ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللهِ (ع) إِنَّا صَلَّيْنَا الْمَغْرِبَ فَسَهَا الْإِمَامُ فَسَلَّمَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ فَأَعَدْنَا الصَّلَاةَ فَقَالَ وَلِمَ أَعَدْتُمْ
أَ لَيْسَ قَدِ انْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم فِي رَكْعَتَيْنِ فَأَتَمَّ بِرَكْعَتَيْنِ أَلَّا أَتْمَمْتُم.
10 - وَروى في العيون [أي في كتاب «عيون أخبار الرضا» للشيخ الصدوق] في آخر باب «باب ما جاء عن الرضا (ع) في وجه دلائل الأئمَّة وَالردِّ على الغُلاة وَالمفوِّضة لعنهم الله» عن تَمِيمٍ الْقُرَشِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ الْأَنْصَارِيِّ عَنِ الْهَرَوِيِّ قَالَ: قُلْتُ لِلرِّضَا (ع) إِنَّ فِي سَوَادِ الْكُوفَةِ قَوْماً يَزْعُمُونَ أَنَّ النَّبِيَّ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ سَهْوٌ فِي صَلَاتِهِ!
فَقَالَ: كَذَبُوا لَعَنَهُمُ اللهُ إِنَّ الَّذِي لَا يَسْهُو هُوَ اللهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ! قَالَ قُلْتُ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللهِ!
وَفِيهِمْ قَوْمٌ يَزْعُمُونَ أَنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ لَمْ يُقْتَلْ وَأَنَّهُ أُلْقِيَ شَبَهُهُ عَلَى حَنْظَلَةَ بْنِ أَسْعَدَ الشَّامِيِّ وَأَنَّهُ رُفِعَ إِلَى السَّمَاءِ كَمَا رُفِعَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ (ع) وَيَحْتَجُّونَ بِهَذِهِ الْآيَةِ ﴿وَ لَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا﴾[النساء/141]
فَقَالَ كَذَبُوا عَلَيْهِمْ غَضَبُ اللهِ وَلَعْنَتُه.... الحديث.
11- وفي الفقيه
[أي كتاب «من لا يحضـره الفقيه» للشيخ الصدوق]:
روى الْحَسَنُ بْنُ مَحْبُوبٍ عَنِ الرِّبَاطِيِّ عَنْ سَعِيدٍ الْأَعْرَجِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (ع) يَقُولُ:
إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَامَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم عَنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ قَامَ فَبَدَأَ فَصَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ ثُمَّ صَلَّى الْفَجْرَ، وَأَسْهَاهُ فِي صَلَاتِهِ فَسَلَّمَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ،
ثُمَّ وَصَفَ مَا قَالَهُ ذُو الشِّمَالَيْنِ، وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ بِهِ رَحْمَةً لِهَذِهِ الْأُمَّةِ لِئَلَّا يُعَيَّرَ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ إِذَا هُوَ نَامَ عَنْ صَلَاتِهِ أَوْ سَهَا فِيهَا فَقَالَ قَدْ أَصَابَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم.
12 - وفي الفقه الرضويّ:
وَكُنْتُ يَوْماً عِنْدَ الْعَالِمِ (ع) وَرَجُلٌ سَأَلَهُ عَنْ رَجُلٍ سَهَا فَسَلَّمَ فِي رَكْعَتَيْنِ مِنَ الْمَكْتُوبَةِ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يُتِمَّ صَلَاتَهُ قَالَ فَلْيُتِمَّهَا وَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ وَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم صَلَّى يَوْماً الظُّهْرَ فَسَلَّمَ فِي رَكْعَتَيْنِ فَقَالَ ذُو الْيَدَيْنِ يَا رَسُولَ اللهِ أُمِرْتَ بِتَقْصِيرِ الصَّلَاةِ أَمْ نَسِيتَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم لِلْقَوْمِ صَدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ فَقَالُوا نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ لَمْ تُصَلِّ إِلَّا رَكْعَتَيْنِ فَقَامَ فَصَلَّى إِلَيْهِمَا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ وَسَجَدَ سَجْدَتَيِ السَّهْو.
تلك كانت الروايات الاثني عشر التي أفتى محدثون أجلاء مثل«الصدوق» و[أستاذه]
«محمد بن الحسن بن الوليد»،
و«السيد المرتضى»- الذي كان أجلّ تلاميذ المفيد - صراحةً بمضمونها!
حال الرواه
محمد بن الحسن بن الوليد» فهو: شيخ القميِّين، وفقيههم، ومتقدِّمهم، ووجههم. وعلى حد قول النجاشي: «ثقةٌ ثقةٌ، عينٌ، مسكونٌ إليه.».
وبقول الشيخ الطوسي: «جليل القدر، عارفٌ بالرجال، موثوق به».
وحتى «ابن الغضائري» الذي لا يثني على أحد ثناءً مضاعفاً أثنى عليه ثناءً مضاعفاً كما ذكر ذلك ابن داود. [أي ابن الوليد] بين الأصحاب
[أي علماء الإمامية الكبار] في نقد الرجال والأخبار!
ويكفي في بيان جلالة قدره وعظمته أن شخصاً كالصدوق قال عنه: «كلّما لم يصحِّحه ذلك الشيخ ولم يحكم بصحته من الأخبار فهو عندنا متروك غير صحيح»
( انظر تنقيح المقال، ج3/ص100. هذا ومن الجدير بالذكر أنه لم يُمْدَح أي عالم من علماء الإمامية بمثل هذا القول.
أضف إلى ذلك أنه قد وردت عن الأئمة أحاديث عديدة في مدح آراء علماء قم ، كما ذكر ذلك الشيخ الشوشتري نفسه - - في «قاموس الرجال» (ج8/ص 120).
أما عن الشخص الثالث
[السيد المرتضـى علم الهدى]
فقد قيل في حقه:
«متوحِّدٌ في علوم كثيرةٍ، مُجْمَعٌ على فضله مقدَّمٌ في العلوم، مثل علم الكلام والفقه وأصول الفقه والأدب والنحو والشعر ومعاني الشعر واللغة وغير ذلك»
( العلامة الحلي،الخلاصة، ص 94، وانظر الطوسي، الفهرست، ص 98.)،
وكان أرفع أدباء عصره منزلةً، فقيهاً ومتكلماً وجامعاً لجميع العلوم.
وقال عنه النجاشي:
«حاز من العلوم ما لم يدانه فيه أحدٌ في زمانه، وسمع من الحديث فأكثر، وكان متكلِّماً شاعراً أديباً، عظيم المنزلة في العلم والدين والدنيا»
( النجاشي، رجال النجاشي، ص 270.).
لقد اتَّضح رأي الأول والثاني بشأن «سهو النبيّ»!
أما الثالث [أي السيد المرتضى علم الهدى]
فقد قال في كتابه «تنزيه الأنبياء»
بعد ذكره لآية
﴿لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ﴾ [الكهف/73]:
«فأما فيما هو خارج عما ذكرناه [أي أمر الشرع وما أُمر النبيُّ بتبليغه عن الله] فلا مانع من النسيان.»
ثم ذكر جواز النسيان أو السهو في المأكل والمشرب (السيد المرتضى، «تنزيه الأنبياء»، ص 84.
وعبارة السيد المرتضى الكاملة التي ذكرها بعد الآية 73 من سورة الكهف هي:
«وإذا حملنا هذه اللفظة على غير النسيان الحقيقي فلا سؤال فيها وإن حملناها على النسيان في الحقيقة كان الوجه فيها أن النبي - عَلَيْهِ السَّلامُ - إنما لا يجوز عليه النسيان فيما يؤديه عن الله تعالى أو في شرعه أو في أمر يقتضي التنفير عنه
فأما فيما هو خارج عما ذكرناه فلا مانع من النسيان. ألا ترى أنه إذا نسي أو سها في مأكله أو مشربه على وجه لا يستمر ولا يتصل فننسب إلى أنه مغفل فإن ذلك غير ممتنع؟»).
وقال في كتاب «الناصريات»
بعد أن ذكر عدم بطلان الصلاة بالتسليم ناسياً:
«وخبر «ذي اليدين»
يدلُّ على أنَّ من سلَّم ناسياً لا تبطل صلاته، لأنه روي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سلَّم في الركعتين الأولتين ساهياً من الظهر أو العصـر،
ثم بنى على صلاته.».
واستدلَّ من هذا الطريق أيضاً على أن من تكلَّم في صلاته ناسياً لم تبطل صلاته.
ويُفهم من كلام الكُلَيْنِيّ في «الكافي»
أنه كان يعمل بهذا الحديث،
وكذلك عمل الاثنا عشر راوياً بالخبر - ما عدا الشيخ الطوسي - ولم يذكر أحدٌ منهم طعناً فيه بأنه مخالف للعقل أو للنقل!
وكلهم من الرواة الذين أثنى عليهم المشايخ والفقهاء الكبار ووثَّقوهم.
فكيف يقال لمثل هؤلاء أنهم مقلِّدة؟!
واستناداً إلى ما ذكرناه يتبين أن هذا الخبر من الأخبار المتواترة أو الملحقة بها،
لذا قال «ابن الوليد»
«وَلَوْ جَازَ أَنْ تُرَدَّ الْأَخْبَارُ الْوَارِدَةُ فِي هَذَا المَعْنَى لَجَازَ أَنْ تُرَدَّ جَمِيعُ الْأَخْبَارِ».
وكيف نقبل بأن هذا الخبر خبر آحاد في حين أن الخاصة والعامة اتفقوا على روايته وأجمع عليه الموافق والمخالف؟!
( لمعرفة ما ورد حول هذا الأمر في كتب العامة يمكن الرجوع إلى كتاب «التاج الجامع للأصول في أحاديث الرسول» ج1 / ص 220. ).
ولم يُعْلَم عن أي عالم من علماء الشيعة الإمامية تشكيكٌ بصحة هذا الخبر
وولو وجد لما اكتفى الصدوق بنسبة مخالفة هذا الخبر إلى المفوِّضة والغلاة،
بل لَذَكَرَ المخالف وناقشه، كما ناقش في قسم الميراث في «[من لا يحضره] الفقيه»
يونس بن عبد الرحمن والفضل بن شاذان، رغم قَدْرِهِما ومنزلتهما - وخطَّأهما في كثير من الموارد!
هذا، ويؤيد كلام الصدوق في أن منكري سهو النبي صلى الله عليه وآله وسلم هم الغلاة والمفوضة
الحديث السابق الذي نقلناه من «عيون أخبار الرضا»،
وقد زاد فيه أن منكري سهو النبي صلى الله عليه وآله وسلم هم أنفسهم منكرو قتل الحسين (ع) الذين استنبطوا ذلك القول الخاطئ من الآية المذكورة.
ولم ينكر أحدٌ من القدماء قبل الشيخ «المفيد» هذا الخبر. ومفهوم كلام السيد المرتضى في «المسائل الناصريات»
أن موضوع «سهو النبي» كان أمراً مُسلَّماً به ولم يخالف في وقوعه أحد، وقد اتبع الشيخ الطوسي أستاذه الشيخ المفيد في هذا الأمر
((يقول الشيخ الطوسي الذي لا يصحح أحاديث سهو النبي، بعد نقله لتلك الأحاديث: «وَإِنَّمَا ذَكَرْنَاهَا لِأَنَّ مَا تَتَضَمَّنَهُ مِنَ الْأَحْكَامِ مَعْمُولٌ بِهَا عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ» (تهذيب الأحكام ج1/ص236)،
وهذا يفيد أنه حتى زمن الشيخ كانت أخبار سهو النبي (ص) مَعْمُولاً بِهَا. وطبقاً لما نقله العلامة المجلسـي،
فإن الشهيد الأول قال في «الذكرى» (ص 134)
بعد أن نقل رواية صحيحة عن «زرارة» عن الإمام الباقر (ع):
أن رسول الله (ص) فاتته صلاة الصبح في بعض أسفاره فصلاها قضاء، قال: «ولم أقف على رادٍّ لهذا الخبر»، ثم نقل المجلسي كلام الشيخ البهائي الذي قال: «وهو [أي كلام الشيخ الشهيد الأول هذا] يعطي تجويز الأصحاب صدور ذلك وأمثاله عن المعصوم وللنظر فيه مجال واسع» انتهى.
(بحار الأنوار، ج 17، ص 107- 108)،
كما نقل المجلسيُّ كلامَ جناب القاضي عياض القمي الذي قال في كتابه «الشفا»(ج2/ ص 267 - 270):
«و أما ما ليس طريقه البلاغ ولا بيان الأحكام من أفعاله (ص) وما يختص به من أمور دينه وأذكار قلبه ما لم يفعله ليتبع فيه فالأكثر من طبقات علماء الأمة على جواز السهو والغلط فيها على سبيل الندرة.».
(بحار الأنوار، ج 17، ص)،
----------------------------------------------------
مناقشة وجوه طعـن الشيخ المفيد
1- أما الطعن الأول للشيخ المفيد بقوله:
«أن رواة الأحاديث قد اختلفوا في الصلاة التي زعموا أنه (عليه السلام) سها فيها، فقال بعضهم هي الظهر. وقال بعض آخر منهم: بل كانت عشاء الآخرة. واختلافهم في الصلاة ووقتها دليل على وهن الحديث، وحجة في سقوطه»
فهو عجيب من مثل الشيخ المفيد! لأن إيجاب الوهن إنما يكون عندما يكون الاختلاف في نفس الخبر لا فيما هو خارج عنه!
وإلا لو كان الأمر كما قال لكان اختلاف الأمة في ماهية «الصلاة الوسطى» موجباً للطعن في تلك الصلاة، مع أن «الصلاة الوسطى» ذكرت في القرآن!
ومن الجهة الأخرى فإن الاختلاف الذي ذكره الشيخ المفيد هو بين علماء العامة!!
وليس بين علماء الخاصة اختلاف في ذلك بل كلهم متفقون على أن ذلك السهو حصل في صلاة الظهر، كما دل عليه خبر «سماعة بن مهران» وخبر «الفقه الرضوي ».
2- أما طعن الشيخ المفيد الثاني الذي قال فيه «إن في الخبر ما يدل على وضعه»!
فهو أعجب من طعنه الأول!
لأنه ترك جميع أخبار الخاصة واستند إلى خبر العامة ثم اعتبر الطعن في خبر العامة موجباً للطعن في أخبار الخاصة!
وذلك لأن جملة «كلُّ ذلك لم يكن!» لم ترد في أي خبر من أخبارنا الخاصة، بل جاء في جميعها أنه لما قال «ذو الشمالين» للنبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم: صليتَ ركعتين!
استفسر النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم ممن كانوا خلفه عن صحة قول ذي الشمالين فصدَّقوا قوله!
من هنا يظهر أن لا محل في هذا الباب لقول «المفيد»: «فليس يجوز عندنا وعند الحشوية المجيزين عليه السهو، أن يكذب النبي (عليه السلام) متعمِّداً ولا ساهيا ً»
كما لا وجه لإطلاقه لقب الحشويَّة على الشيخين الصدوق وابن الوليد! لأن كلاً منهما كان عالماً كبيراً وكانا من نُقَّاد الأخبار والآثار.
فلم يرتضيا مثلاً رواية آثار مثل كتاب خالد بن عبد الله، وأصل الزيدين،
وكتاب «بصائر الدرجات» للصفار،
وكتاب «المنتخبات» لسعد!
كما استثنيا روايات «محمد بن سنان» و«ابن أرومة» و«ابن جمهور» وأمثالهم،
مما يشتمل على الغلو والتخليط، كما استثنيا روايات «أبي سمينة» التي تتضمن غلواً وتخليطاً وتدليساً أو تفرداًّ!
كما استثنيا من كتب «يونس بن عبد الرحمن» ما تفرد به العُبَيْدي!
واستثنيا جماعةً كثيرةً من رواة نوادر حكمة
«محمد بن أحمد بن يحيى»
وهم: محمد بن موسى الهمداني، محمد بن يحيى المعاذي وأبو عبد الله الجاموري،
وأبو عبد الله السياري، ويوسف بن السخت، ووهب بن منبّه، وأبو علي النيشابوري،
وأبو سمينة، وأبو يحيى الواسطي، والآدمي،
والعبيدي، وأحمد بن هلال،
ومحمد بن علي الهمداني،
وعبد الله بن محمد الشامي،
وعبد الله بن أحمد الرازي،
وأحمد بن يحيى بن سعيد،
وأحمد بن بشير الرقي،
ومحمد بن هارون,
ومحمد بن عبد الله بن مهران،
والحسن اللؤلؤي,
وجعفر بن محمد بن مالك
، ويوسف بن الحرث (الحارث)،
وعبد الله بن محمد الدمشقي
.
والأعجب مما سبق، قوله في آخر رسالته:
«إن هذه الرواية تقتضي أنه لم يتنبَّه إلى هذا السهو إلا ذو اليدين - وهو مجهول الشخصية من بين الصحابة - دون جميع من حضر من سائر الصحابة بما فيهم أبو بكر وعمر، وأن الرسول صلى الله عليه وآله لما أراد أن يتأكد من كلام ذي اليدين سأل أبا بكر وعمر عن ذلك؟
دون غيرهما من الصحابة الحاضرين؟!
وكل هذه المفارقات تشير إلى أن الرواية إنما وضعت لتشويه سمعة النبي صلى الله عليه وآله، وإسقاط فعله عن الحجية والاعتبار». انتهى.
إن كل ما ذكره الشيخ إنما يصح إذا اعتمدنا على الحديث الوارد من طرق العامة،
ولكننا لم نعتمد عليه بل اعتمدنا على الأخبار المتعددة التي مرّت،
ولذلك فإن كلّ المطاعن التي ذكرها الشيخ المفيد
لا تتجّه للأخبار والرواة المذكورين.
فالطريق الذي سلكه الشيخ من أسوأ المغالطات، وليته إن لم يرجع إلى أخبار الخاصة اكتفى على الأقل بحديث «سعيد الأعرج» في «من لا يحضره الفقيه»!
3 –أما طعن الشيخ المفيد الثالث بقوله أنه:
«مما يدل على بطلان الحديث اختلافهم في جبران الصلاة التي ادعوا السهو فيها، والبناء على ما مضـى منها، أو الإعادة لها. فأهل العراق يقولون:
إنه أعاد الصلاة، لأنه تكلم فيها، والكلام في الصلاة يوجب الإعادة عندهم. وأهل الحجاز ومن مال إلى قولهم، يزعمون: أنه بنى على ما مضى،
ولم يعد شيئاً قد تقضّـَى، وسجد لسهوه سجدتين.
ومن تعلق بهذا الحديث من الشيعة يذهب فيه إلى مذهب أهل العراق، لأنه متضمن كلام النبيّ (عَلَيْهِ السَّلامُ) في الصلاة عمداً، والتفاته عن القبلة إلى من خلفه،
وسؤاله عن حقيقة ما جرى،
ولا يختلف فقهاؤهم في أن ذلك يوجب الإعادة. والحديث يتضمن أن النبي (عَلَيْهِ السَّلامُ) بنى على ما مضـى.
وهذا الاختلاف الذي ذكرناه في هذا الحديث أدل دليل على بطلانه، وأوضح حجة في وضعه واختلاقه.» انتهى كلام المفيد.
فهذا الطعن للشيخ أعجب من الطعنين السابقين! لأن الصدوق لم يتمسّك بحديث العامة ولأن الشيعة لم يذهبوا إلى مذهب أهل العراق ولأن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لم يتكلم في صلاته عامداً!
لأن الكلام إذا كان بسبب ظنّه أنه قد فرغ من الصلاة هو من باب الكلام سهواً، ولا أعلم خلافاً بين علماء طائفة الإمامية في هذه المسألة.
(نهاية كلام جناب العلامة الشيخ الشوشتري).
: آية الله الشيخ «محمد تقي الشوشتري»(أو التستري)وعنوانها «رسالة في سهو النبي صلى الله عليه وآله وسلم»
والتي أثبت فيها وقوع السهو منه صلى الله عليه وآله وسلم وردَّ على من ينفيه، .
لقد نصَّ فريق من كبار علماء الشيعة الإمامية الأعلام على وقوع
«السهو والنسيان» للنبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة -عَليهِمُ السَّلام-
طبقاً لما ورد في ذلك من أحاديث، وعلى رأس القائلين بذلك«الشيخ الصدوق» وأستاذه«محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد القمي»
اللذَيْنِ وثَّقهما عامَّةُ العلماء ورجاليّو الشيعة الإمامية ومدحوهما وأثنوا عليهما كل الثناء.
بل ذهب هذان العالمان إلى أن من ينفي السهو عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فهو من الغلاة
(يخفى على أهل النظر أنه لا علاقة بين تجويز السهو والنسيان على نبي الإسلام (ص)
وبين مسألة العصمة في إبلاغ الوحي وأحكام الشريعة. فقول الشيخ الصدوق ومن وافقه - يبين بوضوح أنهم يرون أن رسول الله مبرأ من السهو في أمر النبوة وتبليغ أحكام الدين وأنه في هذا الأمر يتمتّع بحفظ الله تعالى وحراسته.
وبعبارة أخرى فإن
الشيخ الصدوق وأستاذه ومن وافقهما لا يقولون بجواز سهو النبي على إطلاقه وفي كل شيء،
وإنما يقولون بجواز ووقوع السهو منه في الأفعال والأمور الشخصية المحضة وغير التبليغية
والمستَنَدُ في ذلك ما جاء في كتب الحديث الأساسية الأربعة لدى الشيعة الإمامية،
ونذكر أهمها فيما يلي:
ألف) «أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ النُّعْمَانِ عَنْ سَعِيدٍ الْأَعْرَجِ قَالَ
سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (ع) يَقُولُ صَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم ثُمَّ سَلَّمَ فِي رَكْعَتَيْنِ فَسَأَلَهُ مَنْ خَلْفَهُ يَا رَسُولَ اللهِ أَ حَدَثَ فِي الصَّلَاةِ شَيْءٌ قَالَ وَمَا ذَاكَ قَالُوا إِنَّمَا صَلَّيْتَ رَكْعَتَيْنِ
فَقَالَ أَكَذَاكَ يَا ذَا الْيَدَيْنِ؟ وَكَانَ يُدْعَى ذَا الشِّمَالَيْنِ. فَقَالَ: نَعَمْ. فَبَنَى عَلَى صَلَاتِهِ فَأَتَمَّ الصَّلَاةَ أَرْبَعاً
وَقَالَ: إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ هُوَ الَّذِي أَنْسَاهُ رَحْمَةً لِلْأُمَّةِ أَلَا تَرَى لَوْ أَنَّ رَجُلًا صَنَعَ هَذَا لَعُيِّرَ وَقِيلَ مَا تُقْبَلُ صَلَاتُكَ فَمَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ الْيَوْمَ ذَلِكَ قَالَ قَدْ سَنَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم وَصَارَتْ أُسْوَةً. وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ لِمَكَانِ الْكَلَامِ.».
(الشيخ الطوسي، «التهذيب»، ج2، حديث 1433) ونلاحظ نظير هذا الخبر أيضاً في الأحاديث رقم (1438 وَ1461) من «التهذيب) «عَنْ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ آبَائِهِ عَنْ عَلِيٍّ (ع) قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم الظُّهْرَ خَمْسَ رَكَعَاتٍ ثُمَّ انْفَتَلَ فَقَالَ لَهُ بَعْضُ الْقَوْمِ: يَا رَسُولَ اللهِ! هَلْ زِيدَ فِي الصَّلَاةِ شَيْءٌ؟!
فَقَالَ: وَمَا ذَاكَ؟
قَالَ: صَلَّيْتَ بِنَا خَمْسَ رَكَعَاتٍ
قَالَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَكَبَّرَ وَهُوَ جَالِسٌ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ لَيْسَ فِيهِمَا قِرَاءَةٌ وَلَا رُكُوعٌ ثُمَّ سَلَّمَ وَكَانَ يَقُولُ: هُمَا المُرْغِمَتَان» (الشيخ الطوسي، «التهذيب»، ج2، حديث 1449) (وفي مسند الإمام زيد (بيروت، دار مكتبة الحياة، ص 123-124) رواية مشابهة ولفظها: «حدثني زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي (ع)
قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وآله الظهر خمساً، فقام ذو الشمالين فقال:
يا رسول الله! هل زيد في الصلاة شيء؟!
قال: وما ذاك؟،
قال صليت بنا خمساً،
قال فاستقبل القبلة فكبَّر وهو جالسٌ وسجدَ سجدتين ليس فيهما قراءةٌ ولا ركوعٌ وقال: هما المرغمتان». وقارن بما ورد في مسند أحمد (ج3/ ص 72، و83، و84)
ج) وفي «الكافي» للكُلَيْنِيّ،
(كتاب الصلاة/بَابُ مَنْ تَكَلَّمَ فِي صَلَاتِهِ أَوِ انْصَـرَفَ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّهَا أَوْ يَقُومُ فِي مَوْضِعِ الْجُلُوسِ، حديث رقم 1)
بسنده عَنْ سَمَاعَةَ بْنِ مِهْرَانَ قَالَ:
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ (ع):
«مَنْ حَفِظَ سَهْوَهُ فَأَتَمَّهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ سَجْدَتَا السَّهْوِ فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم صَلَّى بِالنَّاسِ الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَهَا فَسَلَّمَ.
فَقَالَ لَهُ ذُو الشِّمَالَيْنِ:
يَا رَسُولَ اللهِ! أَنَزَلَ فِي الصَّلَاةِ شَيْءٌ؟!
فَقَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ:
إِنَّمَا صَلَّيْتَ رَكْعَتَيْنِ!
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم أَتَقُولُونَ مِثْلَ قَوْلِهِ؟
قَالُوا: نَعَمْ. فَقَامَ صلى الله عليه وآله وسلم فَأَتَمَّ بِهِمُ الصَّلَاةَ وَسَجَدَ بِهِمْ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ.»
(الكافي، ج3/ ص356).
هذا وقد قال المحشِّي الذي حقَّق الكافي معلقاً على هذا الحديث:
«حَمَلَ عددٌ من العلماء هذا الخبر على التَقِيَّة».
و ينبغي أن نسأله:
وكيف يمكن للعلماء أن يدَّعوا أن الإمام الصادق (ع) كذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟!معاذ الله!
د) وفي الباب السابق ذاته من «الكافي»
(الحديث رقم 3):
«عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْبَرْقِيِّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْعَبَّاسِ عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ صَدَقَةَ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ الْأَوَّلِ (ع):
أَسَلَّمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَوَّلَتَيْنِ؟
فَقَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: وَحَالُهُ حَالُهُ؟!
قَالَ: إِنَّمَا أَرَادَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُفَقِّهَهُمْ».
هـ) وَرَوَىَ الشيخ الصدوق في
«من لا يحضره الفقيه» فقال:«رَوَى الْحَسَنُ بْنُ مَحْبُوبٍ عَنِ الرِّبَاطِيِّ عَنْ سَعِيدٍ الْأَعْرَجِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (ع) يَقُولُ:
إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَامَ رَسُولَهُ صلى الله عليه وآله وسلم عَنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ.ثُمَّ قَامَ فَبَدَأَ فَصَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ ثُمَّ صَلَّى الْفَجْرَ، وَأَسْهَاهُ فِي صَلَاتِهِ فَسَلَّمَ فِي رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ وَصَفَ مَا قَالَهُ ذُو الشِّمَالَيْنِ وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ بِهِ رَحْمَةً لِهَذِهِ الْأُمَّةِ لِئَلَّا يُعَيَّرَ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ إِذَا هُوَ نَامَ عَنْ صَلَاتِهِ أَوْ سَهَا فِيهَا فَيُقَالُ قَدْ أَصَابَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم.».
(«منلا يحضره الفقيه»، أبواب الصلاة/ باب أحكام السهو في الصلاة، حديث 1031، ج1/ص 358).
وبعد أن أورد «الصدوق» هذا الحديث علَّق عليه قائلاً: «قَالَ مُصَنِّفُ هَذَا الْكِتَابِ:
إِنَّ الْغُلَاةَ وَالمُفَوِّضَةَ لَعَنَهُمُ اللهُ يُنْكِرُونَ سَهْوَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم وَيَقُولُونَ لَوْ جَازَ أَنْ يَسْهُوَ (ع) فِي الصَّلَاةِ لَجَازَ أَنْ يَسْهُوَ فِي التَّبْلِيغِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ فَرِيضَةٌ كَمَا أَنَّ التَّبْلِيغَ عَلَيْهِ فَرِيضَةٌ
وَهَذَا لَا يُلْزِمُنَا وَذَلِكَ لِأَنَّ جَمِيعَ الْأَحْوَالِ الْمُشْتَرَكَةِ يَقَعُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم فِيهَا مَا يَقَعُ عَلَى غَيْرِهِ وَهُوَ مُتَعَبِّدٌ بِالصَّلَاةِ كَغَيْرِهِ مِمَّنْ لَيْسَ بِنَبِيٍّ وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ سِوَاهُ بِنَبِيٍّ كَهُوَ فَالْحَالَةُ الَّتِي اخْتُصَّ بِهَا هِيَ النُّبُوَّةُ وَالتَّبْلِيغُ مِنْ شَرَائِطِهَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ فِي التَّبْلِيغِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ مَخْصُوصَةٌ وَالصَّلَاةُ عِبَادَةٌ مُشْتَرَكَةٌ وَبِهَا تَثْبُتُ لَهُ الْعُبُودِيَّةُ وَبِإِثْبَاتِ النَّوْمِ لَهُ عَنْ خِدْمَةِ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ غَيْرِ إِرَادَةٍ لَهُ وَقَصْدٍ مِنْهُ إِلَيْهِ نُفِيَ الرُّبُوبِيَّةُ عَنْهُ لِأَنَّ الَّذِي لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ هُوَ اللهُ الْحَيُّ الْقَيُّومُ
وَلَيْسَ سَهْوُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم كَسَهْوِنَا لِأَنَّ سَهْوَهُ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ،
وَإِنَّمَا أَسْهَاهُ لِيُعْلِمَ أَنَّهُ بَشَرٌ مَخْلُوقٌ فَلَا يُتَّخَذَ رَبّاً مَعْبُوداً دُونَهُ، وَلِيَعْلَمَ النَّاسُ بِسَهْوِهِ حُكْمَ السَّهْوِ مَتَى سَهَوْا.
وَسَهْوُنَا مِنَ الشَّيْطَانِ وَلَيْسَ لِلشَّيْطَانِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم وَالْأَئِمَّةِ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ وَعَلَى مَنْ تَبِعَهُ مِنَ الْغَاوِينَ.
وَ يَقُولُ الدَّافِعُونَ لِسَهْوِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الصَّحَابَةِ مَنْ يُقَالُ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ
وَإِنَّهُ لَا أَصْلَ لِلرَّجُلِ وَلَا لِلْخَبَرِ.
وَكَذَبُوا لِأَنَّ الرَّجُلَ مَعْرُوفٌ
وَهُوَ أَبُو مُحَمَّدٍ عُمَيْرُ بْنُ عَبْدِ عَمْرٍو الْمَعْرُوفُ بِذِي الْيَدَيْنِ وَقَدْ نَقَلَ عَنْهُ الْمُخَالِفُ وَالْمُؤَالِفُ، وَقَدْ أَخْرَجْتُ عَنْهُ أَخْبَاراً فِي كِتَابِ وَصْفِ قِتَالِ الْقَاسِطِينَ بِصِفِّينَ.
وَ كَانَ الشَيْخُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الْوَلِيدِ يَقُولُ أَوَّلُ دَرَجَةٍ فِي الْغُلُوِّ نَفْيُ السَّهْوِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم وَلَوْ جَازَ أَنْ تُرَدَّ الْأَخْبَارُ الْوَارِدَةُ فِي هَذَا المَعْنَى لَجَازَ أَنْ تُرَدَّ جَمِيعُ الْأَخْبَارِ وَفِي رَدِّهَا إِبْطَالُ الدِّينِ وَالشّـَرِيعَةِ وَأَنَا أَحْتَسِبُ الْأَجْرَ فِي تَصْنِيفِ كِتَابٍ مُنْفَرِدٍ فِي إِثْبَاتِ سَهْوِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم وَالرَّدِّ عَلَى مُنْكِرِيهِ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى». انتهى كلام الصدوق،
«من لا يحضره الفقيه» ج1/ ص359- 360.
وقد أشار الشيخ آقا بزرگ الطهراني في كتابه
«الذريعة إلى تصانيف الشيعة» (ج12/ص265)
إلى «كتاب السهو» للشيخ الصدوق كما أشار إلى رد الشيخ المفيد -تلميذ الشيخ الصدوق- على بعض آراء أستاذه في كتاب مستقل تحت عنوان«تصحيح الاعتقاد».
وذكر أن الشيخ «المفيد» ردّ على قول الصدوق بسهو النبي صلى الله عليه وآله وسلم في رسالة خاصة عُرفت باسم «السهوية» وقد أشار إليها آقا بزرگ الطهراني في (ج12/ص267) من كتابه
«الذريعة».
وقد أيَّد العلامة المحقِّق الشيخ محمد تقي الشوشتري
عقيدة الشيخ الصدوق في ثبوت سهو النبي صلى الله عليه وآله وسلم ودافع عن هذا القول
وردَّ على الشيخ المفيد وفنَّد بشكل وافٍ ومُدلَّلٍ ما ذكره في ردِّه على الصدوق،
كل ذلك في رسالة سمَّاها: «رسالة في سهو النبي صلى الله عليه وآله وسلم»، ذكرها صاحب «الذريعة» (ج12/ص267)
بعنوان «رسالة في سهو النبي والانتصار للشيخ الصدوق».
وقد طُبعت هذه الرسالة في آخر كتاب
«قاموس الرجال» للعلامة الشوشتري مصورة عن نسخة كتبها بخط يده.
وسنذكر أهم ما جاء في تلك الرسالة مع التعليق عليها.